عنوان الموضوع : موضوع تعبير قصه خياليه للتعليم
مقدم من طرف منتديات المرأة العربية

موضوع طھط¹ط¨ظٹط± قصه خياليه


ـ لا تسرقي العقد مني فأنا يتيمة

إن سنة 2017 كانت سنة أولها رزق وفير وحصاد جيد. أما في نهايته، فلقد استوطنت الكآبة والإحباط في قلبي بل وحتى الخوف من الله العزيز الحكيم أما عذاب الضمير قد كان له أثر وشأن في نفسي كبير. لهذا أصبحت لا أنام من الليل إلا قليلاً لذلك أحاول ألا أذهب إلى فراشي إلا إذا غلبني النعاس وسيطر علي التعب. وقصدي هو أن لا تأتيني تلك الطفلة الصغيرة في الحلم. ورغماً عني تعاتبني على جرم وخطأ ارتكبته في حقها في يوم من الأيام، فأفسد علي حياتي بل وأفسد علي نومي، وعكّر مزاجي، فضلاً عن حالتي عندما أصحو من النوم. فإني لا أتمالك نفسي فأبكي بحرارة وحسرة. وندم على ما فعلت. ولكن هيهات فلقد قضى الأمر وانتهى.

أقول لم يردعني دين أو خلق في يوم من الأيام على ما كنت أفعل. بل كنت على يقين بأنه لا ضمير عندي وإن كان فلن يعذبني هذا الضمير إلا يوم أو يومين، ثم ينتهي كل شيء ولا يبقى له أثر في قلبي. أما أن يكشف أمري أمام الناس ورجال الأمن، فذلك أمر كنت أراه بعيداً عني وهذا هو شعور كل لص قبل أن يرتكب جريمته. وعلى هذا الأساس وبناءً على حاجتي الماسة للمادة، فكرت في كيفية الحصول عليه بأسهل وأيسر الطرق من دون تعب كوني امرأة ولكن كيف؟ إلى أن جاء ذلك اليوم الذي تلقيت فيه دعوة لزواج صديقة لي بالدراسة. فذهبت في اليوم الموعود وفكرة الحصول على المال بطرق ملتوية تراودني، بل وتسيطر على تفكيري. وعندما دخلت الصالة أقول بصراحة، وجدت الذهب والألماس من كثرته كأنه ملقىً على الأرض. وبحاجة إلى من يأخذه فلقد رأيت النساء تتزين بذلك المعدن الثمين، وبكثرة، فهو ((الذهب)) في أياديهن ورقابهن وفوق رؤوسهن وحتى في أرجلهن. وهنا شعرت أن دوري يقتضي أن آخذ هذا الذهب. وتلك هي الفرصة الثمينة التي كنت أبحث عنها. وفي الوقت نفسه كان صوت الأغاني والرقص يساعداني على إتمام جريمتي. والنساء مشغولات، فلا يعلمن عن ذهبهن وعن بناتهن الصغيرات شيئاً، فلقد تركنهن يسرحن ويركضن في أطراف الصالة والذهب معلق في رقابهن وأياديهن الصغيرة.

وهنا برزت الفكرة في بالي وبوضوح، وقلت في نفسي: ما يمنع أن أجرب حظي وأسرق هذه المرة ولو بإسورة أو حتى خاتم صغير ولكن استوقفتني عقبة صغيرة وهي كيف؟ ولكن سرعان ما اهتديت إلى فكرة جهنمية فجريت مسرعة من الصالة إلى أقرب بقالة، واشتريت بعض الحلويات والشكولاتة التي يحبها الأطفال الصغار. وقصدي من ذلك هو اصطيادهن وإغرائهن بهذا الطعم وفعلاً، نجحت الفكرة وأقبلت إحداهن ويقيني أنها لم تتجاوز السنوات الأربع من عمرها وهي تلبس من الذهب والحلي الشيء الكثير فدنوت منها وقلت في نفسي، هذه هي الفريسة، وتلك هي الضحية، فشاغلتها وأشغلتها بالكلام، وأعطيتها قطعة من الحلوى. وبهذه الطريقة استطعت أن أنزع الأساور من يدها الصغيرة، وخرجت مسرعة من الصالة. ولكني أقول الحقيقة أنه في تلك الليلة شعرت بعذاب الضمير إلا أني كنت سعيدة بالغنيمة وتلك السرقة الصغيرة، فبعتها وحصلت على ثمنها.

وعلى هذا الأساس وذلك النجاح قررت تكرار التجربة مرة ثانية، شريطة أن أضع النقاب على وجهي حتى لا يتعرف علي أحد، وأدخل صالات الأعراس مع الداخلين وكأني مدعوة أو كأني منهم. وهكذا كررت التجربة مرات كثيرة وطوال سنة كاملة وهي سنة 2017م حيث كنت مشغولة طوال الأسبوع بالتردد على حفلات الزواج. حيث كان الرزق وفيراً. إلى أن جاءت ليلة ودخلت إحدى الصالات، وجلست أبحث عن فريسة في أركان الصالة فوجدتها جالسة بعيداً، وكأنها لا تشارك بالفرحة فانتهزت الفرصة، وقلت في نفسي تلك هي الفريسة، وهاهي الغنيمة. فتوجهت إليها بخطوات مسرعة وأنا ابتسم لها ابتسامة عريضة، والطعم كان في يدي، وهو بعض من الحلوى التي يستميت الأطفال على أكلها فدنوت منها وقلت: ما اسمك يا حلوة؟ فقالت: ((شعاع))، قلت والسنة الدراسية قالت: رابعة ابتدائي. وناجحة بامتياز. فقلت: لها اقتربي لأهنئك وأقبل رأسك وأعطيك هذه الحلوة فأنت حلوة، وتستحقين كل الخير فاقتربت المسكينة ببراءة الأطفال مني. وفي تلك اللحظة كانت يدي اليمنى تمتد لتلتف حول رقبتها لأفتح العقد، فشعرت هي وأوجست في نفسها خوفاً، وكأنها علمت مرادي وقصدي فقالت لي: لا تسرقي العقد مني فأنا يتيمة، ولن يشتري لي أحد غيره. فسحبت يدي منبهرة من كلامها، ولكن كوني إنسانة تجردت من الدين والأخلاق ومات ضميرها. فلقد قررت معاودة المحاولة مرة أخرى، ولا أخرج من هذه الحفلة خالية اليدين فقلت لها: لا تخافي يا ابنتي فقط أحب أن أرى هذا العقد الذي تتزينين به، لأنه جميل وحتى أشتري لابنتي واحد مثله. فاقتربت مني وصدقتني ونزعته ثم ناولتني إياه وناولتها قطعة الحلوى. فانشغلت هي بها، فخرجت أنا من الصالة مسرعة متوجهة إلى سيارتي. ووصلت البيت وعندما استلقيت على فراشي شعرت وللمرة الأولى بوخز الضمير بل ولقد كان جبيني يتصبب عرقاً. وحتى دقات قلبي هي الأخرى تزايدت وشعرت بخوف شديد وحاولت أن أغمض عيني لأنام. وما هي إلا سويعات، وإذا بشعاع تأتيني في المنام وهي تبكي، وتقول: أين عقدي فلقد ضربني أبي ضرباً مبرحاً، وانظري إلى جسدي فتلك هي آثار الضرب واضحة عليه. فأرجوك أرجعيه إلي فنهضت من نومي فزعة أتلفت يميناً ويساراً، لأني لم أستبعد بأن تكون تلك الطفلة معي في غرفتي. وعليه وبناء على ما شعرت به وما عانيته فقررت التوقف عن ممارسة نشاطي ولو لفترة محدودة حتى أرتاح. لكن ((شعاع)) جاءتني بعد يومين في الحلم مرة ثانية، وكررت على مسامعي ما كررته في المرة الأولى وهنا فقط شعرت بفداحة الجرم الذي ارتكبته وقررت التوبة والتوقف عن سرقة ذهب الأطفال بالأعراس. وبسبب تلك اليتيمة فقط قررت التوبة النصوح والرجوع إلى الله وذلك عندما وقفت بين يديه سبحانه وللمرة الأولى أصلي، وأطلب العفو والمغفرة والصفح منه. وما زلت على ذلك الطريق وأرجو أن أظل عليه إلى أن يتوفاني الله في يوم من الأيام.

رغم مرور مدة طويلة على آخر سرقة وعلى آخر حلم بتلك الطفلة، إلا أن صورتها ما زالت في ذهني وتأتيني في الحلم ولو في الشهر مرة. وفي الوقت نفسه فإني ما تركت مكاناً ذهبت إليه إلا وتفحصت وجوه الأطفال فلعل أن تكون شعاع بينهم فأعطيها العقد الذي سرقته. منها لأني ما زلت أحتفظ به. وفي الوقت نفسه فما زال ضميري يعذبني منذ ذلك الوقت. وعليه فلن يهدأ لي بال، أو أن أعيش في سعادة، إلى أن أجدها وأعطيها عقدها الذي سرقته منها في يوم من الأيام. فأرجو أن يكون ذلك اليوم بل وتلك اللحظة التي ألتقي فيها شعاع قريبة جداً(1) .
*******
2 ـ وبكيت بين يديه

كانت تجلس إلى جوار زوجها .. وهو يكتب رجل هادئ متواضع حنون، يتحمل منها الكثير، في صبر وصمت ما ذنبه؟

سألت نفسها، لماذا أعذبه وهو غير مسؤول عن رواسب في داخلي؟
إنه يتألم، بل أصابه العذاب في جسده، وأصبح زائراً مستمراً للأطباء، كل هذا لأنه يحبني، فيحتملني كما أنا، من أنا إذن؟

أنا إنسانة أصبحتُ لا أثق بأي رجل، بعد تجربة مضت لزوج خائن وغادر، حاولت أن أنسى الجرح القديم دون جدوى. شيء ما يؤكد لأعماقي أن كل الرجال متشابهون، كلهم خائنون، كذابون، لا وعد لهم ولا ذمة، كيف تقول هذا الكلام إنسانة متعلمة مثلي؟ كيف تشبعت أعماقي بهذه الاتهامات لجنس الرجال في الكرة الأرضية شرقاً وغرباً؟ كيف أظلم بذنب رجل واحد كل الرجال، ومنهم زوجي الطيب جداً، والذي يتألم لعدم ثقتي به كرجل وزوج وأب لأولادي؟ إنني أرفض أن أطلعه على راتبي، وأقول له بلهجة ناهرة: ليس من حقك أن تعرف كم راتبي، تماماً كما لا أسألك عن راتبك! فصمت .. والأكثر من هذا أنني رفضت المساهمة معه بأي مبلغ نقدي لمصروفات البيت، ومنذ زواجنا قلت له بحدة: هذه مسؤولية الرجل وحده، ولن أسمع بقلب الأوضاع، كل ما سأدفعه أجر الخادمة التي تقوم بعملي أثناء غيابي في العمل، غير ذلك أنت مسؤول عنا جميعاً، تنفق عليَّ وعلى أولادك، هذه مسؤولية الرجل شرعاً، وهو - زوجي – يصمت، ليته يثور أو ينفعل أو يعبّر عما بداخله، إن صمته يحقرني، يمزقني، يجعلني أفكر هل أهملني، أم هو رجل ضعيف لا يستطيع مواجهتي بقوة كزوجي الأول، الذي أكرهه اسماً وذكرى، هل صمت الرجل دائماً ضعف؟

حينما انتهى زوجها من كتابة تقرير مهم في العمل، التفت إليها قائلاً: لماذا تسهرين بجواري لهذا الوقت؟
وكيف تذهبين لعملك مبكراً بعد هذا السهر الطويل؟ هل تحتاجين شيئاً؟

لم تتمالك نفسها، تساقطت دموعها قائلة: بل هل تحتاج أنت شيئاً؟ أشعر أنك تفكر بقلق منذ أيام، هل تعاني شيئاً في عملك أو في البيت؟

قال باسماً: لا يا عزيزتي، كل الأمور على ما يرام، فقط معدتي، والقرحة، تؤلمني سواء أتناول طعاماً خفيفاً أم ثقيلاً، يبدو أنني كبرت، بينما أنت ما شاء الله، تزدادين جمالاً.. فجأة فوجئت به يتقيأ بحراً من الدماء، ويسقط مغشياً عليه. صرخت، الهاتف، الدكتور، المستشفى، من المستشفي أكد الطبيب على ضرورة مراعاة انفعالات زوجي، وتجنيبه كل الضغوط ، ومزاولته لعمل سهل. عدنا إلى البيت بعد عدة أيام، كان زوجي شاحباً هزيلاً، كأنه خيال، يستند إلى كتفي، ويعتذر أنه أرهقني في ليالي المستشفى الطويلة، وظل يشكرني بعبارات تفيض حباً وحناناً، قائلاً: لست أدري ماذا كنت أفعل لو لم يرزقني الله بزوجة تحبني وتحنو عليّ مثلك، إنني أحبك أكثر من نفسي، لكني سأصبح عبئاً عليك؛ لأن صلاحية معدتي قد انتهت، وأصبحت في حالة يرثى لها، كان وجهي قد غمرته دموعي، وزوجي الطيب لا يلاحظ ذلك، بل هو مسترسل في تعبيره الرقيق لي عن امتنانه، لا يعرف أنه يقتلني بهذه الكلمات، لأنني كثيراً ما آلمته بالشك وبفقد الثقة وبالحدة والعنف. لكنه رجل رقيق بطبعه فلا يذكر حالياً، إلا حناني معه وهو مريض راقد بالمستشفى!

آه يا قلبي القاسي، كم قسوت على هذا الرجل حتى أمرضته، وآه يا خيالي المريض الذي عاقب رجلاً بريئاً بذنب آخر. نام زوجي كطفل شاحب، وتسللت إلى مكتبه، أرى التقرير الأخير الذي لم يرسله لعمله بسبب مرضه الأخير. فوجئت بأن الورقة، كان زوجي يسجل فيها حساباته، فعرفت أنه مدين بمبلغ كبير لأحد الأصدقاء، ولم يخبرني. نعم هو المبلغ الذي اشترى به السيارة حينما طلبت منه ذلك، كان زوجي يسهر إذن مؤرقاً لهذا الدين الكبير، لم يخبرني؛ لأنه فقد الأمل في تعاوني معه، كم أنا قاسية حقاً لتجربة ضيعت الأمان من نفسي، يا للماضي الذي كاد يحطم حاضري.

في صباح اليوم التالي دخلت لزوجي وهو يتناول شاي الصباح، ووضعت أمامه كل مجوهراتي، وكل مدخراتي وكل حياتي، وبكيت بين يديه عله ينسى(1) !

*****
7 ـ صفعات آثمة على وجه اليتيمة شهد!!

أجمل شيء في حياة الإنسان أيام الطفولة وبراءتها وعذوبة الصدق التي تتمتع بها تلك الأيام من لعب ولهو بالغ الصفاء، ولكن إذا تهاوت هذه السعادة أدراج الرياح دون إنذار ولا إذن مسبق حيث كانت الكلمة العليا لرب العالمين الذي اختارني من دون الناس كي أقضي بقية عمري من غير حضن الحنان الذي يتمناه كل إنسان مهما بلغ عمره وهو حضن الأم الدافئ الذي ليس له بديل مهما كان. قضيت بقية حياتي من دون صدر حنون يحميني من غدر الأيام ومصاعبها. لقد ذهبت أيام السعادة من حياتي وأنا ابنة السابعة من عمري ، حينما توفيت أمي وأنا في ذلك السن الصغير الذي يحتاج إلى الرعاية والاهتمام بعناية فائقة. رحلت أمي وأنا في سن ضعيف، يحتاج إلى كل لمسة حانية تضمد الجراح إذا ألمت بي. عشت أياماً في غاية الصعوبة، وتجرعت مرارة الحرمان من بداية هذه اللحظة. راحت أمي وتركت وراءها فراغاً كبيراً من الصعب جداً أن يملأه أي إنسان بعدها .. حتى أبي الذي يحبنا ولا يحرمنا من شيء حيث إن حالته المادية متوسطة ومستورة والحمد لله وتتكون أسرتي من ستة أولاد أحتل أنا المركز الثاني بعد أختي الكبيرة، وهذا كان السبب الرئيس والدافع الذي جعل والدي يفكر في الزواج من امرأة أخرى. ولم يكن لدينا أي مانع إذا كان لراحة أبي. وفعلاً تم زواجه لتأتي زوجته إلينا وتحتل مكان أغلى وأطيب وأحن الناس إلى قلبي.

دخلت المنزل بقناع العواطف والحب والحنية لتظهر به علينا في أول أيامها، وخصوصاً أمام أبي. ولكن القناع الثاني الذي يخفي وراءه القبح بجميع ألوانه.

وأرجو أن تلتمسوا لي العذر إذا تعديت عليها بأي لفظ. برغم أن أول مرة أقول فيها هذا الكلام، وعمري ما فكرت حتى بيني وبين نفسي أن انطق بتلك الحروف التي تسيء لها، لأني أخاف الله ولا أريد أن يغضب علي. وكذلك أبي فأني أحبه جداً ولا أريده أن يزعل مني ، وهو لا يدري ما تفعله زوجته بنا. كما أنه لا يتحدث معنا أبداً في أي شيء يهمنا أو يخصنا وهذا ما جعلها تكون سيدة المنزل وتقوم بدور زوجة الأب سليطة اللسان ببراعة ومهارة بالغة. وأخذت الأيام تمر، ونزداد حرماناً ومرارة، واشتدت أكثر عندما شرفنا طفل صغير أخ لنا منها فاحتويناه وأحببناه كثيراً ومن لحظتها تم رفع شعار ((اخدم نفسك بنفسك))، فكنت أنا الضحية عن طيب خاطر من أجل إخوتي والعمل على راحتهم وتلبية رغباتهم فتركت الدراسة من نصف الدبلوم، ولم أكمل تعليمي ، وجلست في المنزل من أجل ذلك أدير شؤون المنزل من الألف إلى الياء. وكما قلت باختياري ولم يجبرني أحد على ذلك، احتويت أخواتي بالتفاهم والحب كي نعوض بعضنا عن فقدان حنان الأم وحتى أخونا الصغير منها لأنه ليس له أي ذنب. ولكن مشكلتي أصبحت أكثر عندما قررت عدم إكمال تعليمي فقد انشغل كل واحد من أخواتي في دراسته وأحلامه، وبقيت أنا وحيدة لا يهتم بي أحد إلا إذا أراد مني شيئاً. حبست همومي بين أضلعي وتركتها لرب العالمين لأنه المعين الوحيد في تلك الأمور. ولكن كلما مر الوقت تزداد الأمور تعقيداً ولا أعرف ما السبب الذي يجعل زوجة أب توجه لي الشتائم في كل وقت ومن غير داع أو سبب. أتحامل على نفسي وأدخل غرفتي وأبكي وحيدة دون أن يعلم أحد ما بداخلي من قهر وحزن كما أنه لا يوجد من يسألني عما بي ووصل الأمر بزوجة أبي أن تدعو علي بعدم الراحة وقلة الهناء، وجعلتني أموت خوفاً من تلك الدعوات التي لا أستحقها كما أنها تزعم بين أقاربنا وجميع من يعرفنا بأنني شريرة وقلبي مغلف بالسواد والحقد عليها وعلى من حولها .. ولكن يشهد الله إنني لم أفعل أي شيء تقوله عني للناس. ولكن الآن أريد أن أوضح لكم جميعاً بأنني تغلبت على جميع أهوالي وأحزاني باللجوء إلى الله عز وجل، فهو حسبي ووكيلي وأنا إلى الآن وحتى هذه اللحظة التي أكتب فيها لكم أعاني العذاب بشتى ألوانه .. ولا أعرف كيف أتصرف مع تلك الإنسانة التي لا يكفيها أنني حرمت من حنان أمي وعطفها، بل على العكس فهي تتفنن في تجريحي وإهانتي وتتلذذ في التحدث عني والتشهير بي وبسمعتي ، وكما وصل بها الأمر بأنها تتهمني بسوء أخلاقي مع إني وأقسم بالله لم أخرج من المنزل .. إلا مع جميع أخواتي أو أبي ولا نذهب إلى أي مكان إلا منزل عمي القريب من منزلنا جداً وصدقوني بأنني ليس لدي أي تفسير لما يحدث معي فأنا لم يبدر مني أي شيء ضدها وأعمل على راحتها وكل ما تطلبه وذلك فقط من أجل حبي لأبي.
ولكن يبقى اللغز الذي يبحث عن حل دائماً، والذي لا يعرف أحد سره حتى من هم خبراء في العلاقات الأسرية، وهو لماذا تكره زوجة الأب أبناء زوجها وتعاملهم بقسوة من دون أي ذنب اقترفوه؟
لقد طفح الكيل بي ولم أعد أتحمل كل ذلك .. فما الذي أستطيع فعله كي أعيش بقية حياتي حتى يأتي لي النصيب بالزواج وأخرج من هذا الجحيم(1) .
*******
6 ـ الهدية

تمنت لو قدمت لها هدية ما، كما تفعل كل الزميلات في فصلها، تمنت لو لفتت تنظرها إليها وسط كوم الأولاد والبنات الذين تزدحم بهم الدار.

ولكن ماذا تهدي وهي لا تملك شيئاً؟!

تذكرت أن معلمة الأشغال علمتهن يوماً صنع الأزهار من الورق المطاط وأنها كانت بارعة في ذلك، فوفرت قروشاً قليلة من مصروفها الذي تأخذه يوماً وتحرم منه أياماً لقلة ذات اليد. وعكفت على وريقاتها الملونة تصنعها خفية في اللحظات التي تهدأ فيها الدار من أوقات الظهيرة أو حتى الليل، وتتأملها. ثم تضيف إليها ورقة هنا وبرعماً صغيراً هناك حتى اكتملت بين يديها باقة حلوة، راحت ترمقها باعتزاز وتتخيل نفسها نقدّمها إلى الحبيبة هدية حب و إكبار.

في اليوم التالي عادت من المدرسة مبتهجة، وراحت تشرح لأخيها الأصغر وبانفعال حديث المعلمة عن فضل الأم وتعبها وحبها لأولادها وحدثته عن أنواع الهدايا التي قدمتها كل من زميلاتها لأمها في مناسبات عديدة مختلفة، تأثر أخوها بحماسها وتساءل: وأنت ماذا تقدمين لها؟

سرحت بنظرها لحظة ثم ابتسمت وهي تفتح حقيبتها المدرسية وتخرج بطاقة ملونة، وهمست: انظر هذه البطاقة، لقد اشتريتها اليوم.

أراد أن يلمسها، لكنها أبعدتها مسرعة وهي تقول: ستراها بعد أن أعطيها لها.

وقامت إلى غرفتها تفكر بكلمات حلوة تخطها خلف البطاقة.

في المساء زرعت البطاقة بين وريقات الباقة، وعطرت الزهرات وتأملتها للمرة الأخيرة، ثم فتحت باب غرفتها وانسلت مترددة خجلة تبحث عن أمها.

وجدتها تهم بالخروج إلى الجيران، فاستوقفتها، ومدت يدها بالباقة وقد تضرج وجهها حياء وهمست: ماما .. هذه لك.

أخذتها من يدها، تأملتها باستغراب، فأردفت الطفلة بحماس: ماما .. أنا صنعتها .. من أجلك.

ارتسمت ابتسامة ما على شفتيها، وفتحت الباب في طريقها إلى الجيران وبيدها الباقة، راقبتها بقلب واجفٍ متلهفٍ إلى كلمة حبّ رأتها تدخل هناك، في البيت المقابل وتقول لصاحبته وهي مغرقة في ضحكةٍ طويلة: انظري بالله عليك، ماذا قدمت لي ابنتي؟!

لم تنتظر طويلاً عند الباب لترى نظرات السخرية تحيط بها من العيون المطلة، وأسرعت إلى غرفتها تلقي بنفسها فوق الفراش وتخفي شهقاتها فيه، وتحس الطعنة داميةً داميةً في القلب الصغير(1) .

ــــــــــــــــ
(1) صور من الحياة، تأليف: ثناء أبو صالح.





>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

يســـلمؤ غناتي


__________________________________________________ __________


__________________________________________________ __________


__________________________________________________ __________


__________________________________________________ __________