عنوان الموضوع : كنت هناك - قصة جميلة
مقدم من طرف منتديات المرأة العربية

بدا واضحاً أنها جاهدت طويلاً في ذلك الزحام، قبل العثور على شجرة تتكئ عليها عند مفترق الطرق هناك، لترمي بوهنها فوق جذعها العتيق الذي تبدّت جذوره من عمق الرصيف، شاقَّة أرضه، كاشفة عريها تحت أقدام المارة.‏

تستند بذراعها اليمنى، تمسح بلسانها مرطبة شفتيها، يلوح في يدها الأخرى كيس صغير، يشفُّ عن علب أدوية بحجوم مختلفة.‏

* * *‏

ـ ماما‏

ـ يا روح ماما‏

ـ أنا متعب، احمليني.‏

أمد ذراعيّ، أتلقفه في حضني، يصبح السير أصعب وأخته تتمسك بطرف ثوبي، تشدني إلى الخلف بخطوتها القصيرة، ويطول الطريق. يغفو ابني، يدبّ النَمل في ذراعي، أنقله إلى الجهة الأخرى، يؤلمني ظهري، ويزداد السير صعوبة.‏

* * *‏

تبدّل ذراعها على جذع الشجرة، ترطب شفتيها بلسانها، تُهزم الرؤية أمام عينيها، يزوغ البصر.‏

* * *‏

ـ ماما‏

ـ يا عيون ماما‏

ـ أنا متعبة، احمليني‏

أرفع ابني باتجاه كتفي، أنحني، أحمل أخته على الكتف الأخرى، يغفوان، تتباطأ خطواتي، يُعييني السير، والطريق تمتد.‏

* * *‏

ـ ما كان يجب أن تأتي وحدك؛ حالتك تستدعي الراحة في السرير، كوني حذرة، عند شعورك بالألم قفي حالاً، لا تترددي أينما كنت، ضعي حبة تحت لسانك، ولا تعاودي السير حتى يزول، اجلسي عند الحاجة، لا تخجلي إنها حياتك على المحك.‏

تفتح علبة دواء، تضع حبة تحت لسانها، وتخجل أن تجلس على قارعة الطريق.‏

* * *‏

ـ وحياتي عندك يا أمي، عندما تتوعكين، اطرقي الباب على جارتنا "أم معروف" وهي ستطلب لك الإسعاف حالاً، سيهتمون بك جيداً، تعرفين أني اتفقت معها على ذلك قبل أن أسافر، عديني أنك ستفعلين قبل أن ينقطع الخط...‏

لكن الخط ينقطع سريعاً..‏

تتمتم ملقية برأسها فوق ذراعها: ـ أين هو بابك الآن يا "أم معروف"؟‏

* * *‏

يتوافد المارة، أشعر بوهن شديد، الطفلان غافيان، الألم يعتصرني، وما زال البيت بعيداً.‏

* * *‏

حفاظاً على سلامتك يا أمي، لا تمشي خطوة واحدة دون هذه العصا، لقد حملتها معي عبر المطارات خصيصاً لأضمن حمايتك من التعثر والوقوع لا سمح الله.‏

العصا انكسرت إثر تعثر وسقوط، وعندما اتصل لاحقاً، كانت قصة العصا قد صارت حكاية من الماضي.‏

* * *‏

يثقلني حملي على كاهلي، يؤلمني كتفاي، يضيق صدري، يشتدّ خدر ذراعيّ، الطفلان غافيان، ومازلتُ على الطريق.‏

* * *‏

تفلتُ ذراعها عن الشجرة، تسقطُ على جذرها العاري، فأشعرُ بألم قاصم في ظهري، في مرفقيّ، سائل حار يتدفق من خلف أذني، تتشوش رؤيتي، أكاد أسمع هتاف أحدهم:‏

ـ اطلبوا الإسعاف، العجوز هوت!‏

ويودّ صوتي أن يهمّ قائلاً:‏

ـ الطفلان، لا توقظوا الطفلين.‏






>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

والله ما اعرف شو اكتب كلامك ربط لي لساني وكتف لي دياتي
وكل ما استطيع قوله لك الشكر الجزيل يا قلبي



__________________________________________________ __________


__________________________________________________ __________


__________________________________________________ __________


__________________________________________________ __________