عنوان الموضوع : مالك بن فهم
مقدم من طرف منتديات المرأة العربية

قصة ظ…ط§ظ„ظƒ بن فهم - اولاد مالك بن فيهم - تاريخ مالك بن فهم - نسب مالك بن فهم - قصة جذيمة الابرش - حلف التنوخيين وقصر الزباء - خمسة آلاف عام من الحضارة

كان العالم يستقبل ميلاد السيد المسيح ليخلص البشرية وينشر الأمن والسلام والمسرة في ربوع الأرض عندما كان سكان "تايلوس" يستقبلون القبائل العربية التي قصدتها في عمق الجزيرة العربية ويشكلون مع هذه القبائل حلف "تنوخ"ليخلصهم من ظلم واستبداد الجرهائيين ويعيد إليهم أمنهم وأمانهم وازدهار بلادهم ومكانتها.
تشكل حلف" تنوخ" من مجموعة من أكبر القبائل العربية، ضمت :قُضاعة، وقبيص، وإياد، وتميم، وبقية من القبائل العربية النجدية والتهامية، وعلى مشارف "تايلوس" انضمت إليهم الأزد، وكانت تسكن أرض "تايلوس" إضافة إلى أحد بطون لخم، واتفق زعماء هذه القبائل على تمليك زعيمهم مالك بنفهم القضاعي والمناداة به ملكاً على المنطقة المحصورة بين نجد غرباً والخليج العربي شرقاً وحدود عُمان جنوباً، وحدود البصرة شمالاً ، وقد سميت هذه المنطقة الجغرافية الشاسعة"البحرين" فيما ظهر اسم"أوال" كعلم على "تايلوس" المدينة لأول مرة، و"أوال" هو اسم لصنم عَبده سكان الجزيرة في فترة ما بعد"تايلوس" وربما يكون هذا الاسم تجسيداً آخر لاسم آخر من أسماء هذا المعبود الصنمي كعادة الشعوب في التعامل مع الآلهة فالإله"زيوس" الذي يُعتبر كبير آلهة الإغريق له تجسيد عند العرب القدماء هو الإله (شمس) والربة (عشتار) التي عُبدت في البحرين، ومنطقة بلاد الرافدين وبلاد الشام باعتبارها ربة الجمال والخصوبة، عُبدت في الجزيرة العربية عند العرب القدماء تحت اسم آخر هو" اللات".
والثابت تاريخياً أن مالك بن فهم القضاعي لم يكن ملكاً على الطريقة الفارسية أو الإغريقية بما عُرف عنهما من فخامة وهيلمان ولكنه كان ملكاً على الطريقة العربية البدائية آنذاك، كما عَرفها أهل البادية، وهؤلاء لم يكونوا يحتملون الخضوع والانتظام ضمن نظام مدني له قوانينه وأواوينه وبروتوكولاته كما عند الممالك العربية في الحضر، ولذلك فقد كان مالك بن فهم القضاعي ملكاً أقرب إلى الزعيم، منه إلى الملك، وفي نفس الوقت فقد احتفظت كل قبيلة بزعامتها شبه المستقلة على رجالها وما تحميه من الأرض، وهكذا فقد تشكلت مملكة البحرين الأولى، من مجموعة من "الممالك" الصغيرة القبلية يضمها حلف"تنوخ" الذي يرأسه مالك بن فهم القضاعي.
في هذه الحقبة الزمنية التي عُرفت تاريخياً باسم" عصر الطوائف" أو " عصر ملوك الطوائف" نسبة على تعدد الممالك الطائفية في بلاد فارس وبلاد ما بين النهرين مثل" مملكة الأردوانيين" في جنوب العراق و"مملكة الأرمانيين" في أرض بابل وما حولها وغيرهما من الممالك الصغيرة، وكانت هذه الممالك تعيش حالة من الشقاق والخلاف والحروب المستمرة بينها بسبب الاختلافات الطائفية ونزوع بعضها للسيطرة وبسط النفوذ على الأخرى.
ويبدو أن "ملك البحرين" وزعيم" تنوخ" مالك بن فهم القضاعي، كان يحمل نفساً أبية وهمة عالية، وروحاً تواقة، ولذلك فما إن استتبت له شؤون المُلك والزعامة في البحرين واجتمعت إليه كلمة العرب في المنطقة حتى تسامى بهمته إلى أرض العراق مستثمراً حالة الشقاق والخلاف بين ملوك الطوائف وطامحاً لتأسيس مملكة عربية كبرى تسيطر على كامل المنطقة وهكذا تحركت هذه الموجة العربية العارمة إلى أرض العراق، بمجموعتين أو جيشين قاد الجيش الأول منهما – كما يقول ابن الأثير في كتابه"الكامل في التاريخ" زعيم قبيص الحيقاد بن الحنق وقصد هذا وجيشه مملكة الأرمانيين، الذين سكنوا بابل وما حولا فأغاروا عليهم ثم جاء الجيش الثاني بقيادة مالك بن فهم القضاعي"ملك البحرين" في جمع كبير من قبائل العرب فهاجم الأرمانيين وأجلاهم عن الأرض التي كانوا يسيطرون عليها وتابع طريقه إلى مملكة الأردوانيين فأخرجهم من الأرض التي حكموها واستقر المقام بمالك بن فهم القضاعي ومن معه في منطقة الأنبار حتى حدود الحيرة لتأسيس أول مملكة عربية تمتد من حدود عُمان جنوباً وحتى الحيرة شمالاً وبالطبع فإن البحرين تحولت في هذه الأثناء من "مملكة " إلى "إقليم" يتبع الدولة العربية العتيدة.
في عهد الملك مالك بن فهم القضاعي تأسست الأرضية الصالحة لنشوء الدولة غير أن شؤون الملك والحكومة لم تكن قد تطورت بعد واستمر هذا الحال إلى ما بعد موت مالك بن فهم وتولي شقيقه عمرو بن فهم سدة الحكم غير أن هذا لم يستمر طويلاً فتوفي وخلفه الملك جذيمة بن مالك المعروف بـ" الأبرش" ويُعتبر عدد كبير من المؤرخين جذيمة الأبرش الملك المُؤسس لمملكة اللخميين العرب في الحيرة والأنبار وسائر الجنوب العراقي امتدادً إلى حدود عُمان وهي المملكة التي كانت اللبنة الأولى لدولة " المناذرة".
وفي عهد الملك جذيمة الأبرش استقر الملك للعرب وتطورت أساليب إدارة الحكم وشؤون المُلك ولا شك أن جذيمة الملك استفاد من معارف الفرس وأنظمتهم وأساليبهم في تدبير شؤون المُلك.. ووصفه المؤرخون بأنه ملك عظيم ضم إليه شمل العرب وأسس لهم أركان دولة كبيرة وغزا بجيوشه الممالك المتاخمة لدولته الممتدة.
وجاء بعد جذيمة الأبرش ابن أخته وولي عهده الملك عمرو بن عَديّ الذي يُعتبر جد الملوك اللخميين المناذرة وفي عهد عمرو بن عديّ تحالفت هذه المملكة العربية مع دولة الفرس الساسانيين التي تأسست وازدهرت في إيران، وبدأت تبسط نفوذها وسيطرتها على جزء كبير من العالم وقد تولى الملك عمرو بن عديّ سدة الملك عام 268 للميلاد، واستمر حكمه حتى عام 288 للميلاد، وعاصر من ملوك ذلك الزمان الملك شمر يرعش "ملك حمير التُبعي" والملك سابور بن أردشير وبهرام هرمز بن سابور "الأول" ثم بهرام الثاني بن بهرام الأول ملوك الإمبراطورية الساسانية.
في هذه الفترة كانت البحرين إقليماً تابعاً لدولة المناذرة التي اختارت الحيرة عاصمة لها وكان ملوك الحيرة ينتدبون من قبلهم ملوكاً محليين يمارسون ولايتهم على مناطق محددة من الدولة الشاسعة وبالطبع كانت البحرين من هذه الممالك المحلية أما "أوال" فكانت حاضرة البحرين الإقليم، وإليها كانت تعود شؤون حكم هذا الإقليم غير أنه من الجدير بالذكر أن البحرين في هذه الأثناء وخاصة "أوال" بدأت تعود إلى عهودها الزاهرة وازدهارها التجاري والاقتصادي وعادت من جديد لتشكل واحداً من أهم أسواق العرب وميناءً تصل إليه السلع والبضائع من مختلف أنحاء الدنيا، وكان يسكن البحرين في هذه الأثناء مجموعة قبائل عبد القيس وربيعة وإياد، فيما كانت ربيعة تسيطر على "أوال" بشكل خاص، وكان الملوك المحليين للإقليم من هؤلاء وهؤلاء، أي يكون الملك لعبد القيس تارة ولربيعة تارة أخرى، بينما تحتفظ كل قبيلة بزعيمها المباشر، أما الدولة الأم أي مملكة المناذرة فكانت تُقيم ما يشبه التحالف مع الإمبراطورية الساسانية ولم تكن تابعة لهذه الإمبراطورية، في هذا الوقت.
استمرت ولاية عمرو بن عديّ على مملكة المناذرة نحو عشرين سنة اخذ خلالها عدة حروب مع عدد من الممالك المحاذية وكان أشهر هذه الحروب حربه مع مملكة "تدمر" في بلاد الشام وهي حرب اختلطت فيها الأسطورة بالحقيقة وتمازج فيها الخيال بالواقع فدخلت بذلك ديوان الأقاصيص والروايات والسير الشعبية العربية.
أما التاريخ العربي الموثق فيحكي الكثير عن الملك التالي الذي جاء بعد عمرو بن عديّ وهو امرؤ القيس بن عمرو بن عديّ الذي تجاوزت طموحاته طموحات من سبقه من الملوك العرب وكان بحق صاحب أول مشروح وحدوي لتوحيد البلاد العربية وتشكيل دولة عربية واحدة، تطاول بمكانتها الإمبراطوريتين السائدتين آنذاك، وهما إمبراطورية الفرس الساسانيين والإمبراطورية الرومانية. اعتلى الملك امرؤ القيس بن عمرو سدة المُلك عام 288 للميلاد، وعاصره من ملوك التبابعة في حميرَ ثلاثة ملوك هم: شمر يرعش ثم افريقس الملقب بذي القرنين، ثم يمريرجب، أما معاصروه من ملوك الإمبراطورية الساسانية فهم: بهرام الثالث ثم نرسي بن بهرام ثم هرمز بن نرسي ثم الإمبراطور الدموي سابور الثاني المُلقب بـ(ذي الأكتاف).
يعتبر امرؤ القيس بن عمرو، واحداً من أقوى ملوك المناذرة بل من أقوى الملوك العرب قبل الإسلام وقد استمر حكمه نحو أربعين سنة نهض خلالها إلى إنجاز حلمه الكبير لتوحيد العرب في دولة واحدة فأخضع لسلطانه القبائل والملوك المحليين في سائر البلاد العربية كالحجاز ونجد وتهامة والعراق والشام وحدود اليمن، وغزا مملكة الحميريين التبابعة من اليمن فانتصر على الملك شمر يرعش وقلص نفوذه إلى ما وراء نجران وهاجم بقبائل عب القيس وربيعة القاطنين في البحرين شواطئ فارس مستخدماً أسطولاً بحرياً حربياً كبيراً فعبر إلى أرض الفرس واحتل أجزاءً منها كما هدد بغزواته مشارف الإمبراطورية الرومانية إلا أنه ما لبث أن تصالح مع ملوك الرومان، وتحالف معهم إبان ظهور الإمبراطور الساساني سابور الثاني(ذو الأكتاف) وعودة القوة والازدهار إلى الدولة الساسانية التي سعت بمجرد اشتداد أمرها للثأر من هذا الملك العربي وتطلعاته التحررية لقد وضع سابور (ذو الأكتاف) الفتل بالعرب نُصب عينيه بمجرد أن دانت له دولة فارس فجهز من فوره جيشاً وصل تعداده إلى 70 ألف فارس وقاد هذا الجيش بنفسه ومثيراً الرعب والقتل والدمار، حيثما وصل بقواته الجرارة وبعد معارك ضارية مع ملك المناذرة امرؤ القيس، وجموع العرب تمكن سابور من احتلال الحيرة فيما تراجع امرؤ القيس إلى خد دفاعه الثاني في (إقليم البحرين) فتبعه سابور إلى هناك حيث أسرف في الفتك والقتل، وعذب العرب من أهل البحرين بخلع أكتافهم فمن هنا أطلق عليه العرب هذا اللقب وكان يقول( إنما أقتلكم أيها العرب لأنكم تزعمون أن لكم دولة ومملكة)! وهكذا عادت معظم البلاد العربية بما فيها " إقليم البحرين" لتئن من جديد تحت نير وظلم الفرس والساسانيين وأصبحت دولة المناذرة في الحيرة مملكة تابعة للإمبراطورية الفارسية ونُصب الملك أوس بن قلام على الحيرة ملكاً تابعاً للتاج الساساني أما امرؤ القيس بن عمرو فقد تابع مسيره إلى ملك الروم قسطنطين الكبير في الشام وكان هذا أول من تنصر من ملوك الروم وناصر الديانة المسيحية فاعتنق امرؤ القيس بدوره النصرانية وكأنه كان يريد بذلك دفع الملك قسطنطين الكبير لمساعدته في استرجاع ملكه من الفرس الساسانيين غير أن ذلك على ما يبدو لم يشفع له عند الروم فتوفي في حوران على مشارف الدولة الجنوبية ودُفن هناك فيما بقي أبناؤه يُمنون نفوسهم بدعم ونصرة الروم لهم لاستعادة ملك أبيهم وأجدادهم ومع أن هذا لم يحدث إلا أن سُدة الحكم الملك عادت إليهم من جديد وكانت البداية من البحرين تماماً كما كانت بداية تأسيس المملكة العربية الأولى منها.
وتقول الروايات أن شخصاً من أهل إقليم اسمه جحجبان بن عتيق اللخمي خرج من البحرين قاصداً الحيرة وقد أجمع على الفتك بالملك أوس بن قلام ثاراً لمن كان سابور قتلهم وفتك بهم من أبناء البحرين بمساعدة أوس بن قلام وفعلاً وصل ابن عتيق إلى الحيرة وكمن للملك أوس بن قلام حتى قتله فنشبت فتنة كبرى في الحيرة عام 330 للميلاد دفعت بالملك الفارسي لإعادة الاتصال بأبناء ملك الحيرة المحبوب امرؤ القيس بن عمرو وهم عند ملك الروم من أجل العودة إلى الحيرة وتسلم المُلك وبالطبع على أن تكون المملكة العربية تابعة للتاج الساساني وفعلاً عاد أبناء الملك امرؤ القيس إلى الحيرة ونصبوا أخاهم عمرو بن امرؤ القيس ملكاً في العام 370 للميلاد.

ومنذ هذا التاريخ ظلت دولة المناذرة تابعة للإمبراطورية الفارسية وتمارس في ذات الوقت حكمها وسلطتها غير المباشرة على إقليم البحرين، فيما ظل المُلك متداولاً في سلالة امرئ القيس بن عمرو غالب الأحيان وباستثناء فترات قليلة جداً أُعطي فيها المُلك لآخرين نصبهم ملوك فارس ومن هؤلاء : علقمة أبو يعقر، من 504 إلى 507 للميلاد، والحارث بن عمرو الكدني من 523 إلى 578 للميلاد، وفيشهرت أوزيد من 577 إلى 578 للميلاد وإياس بن قبيصة من 613 إلى 618 للميلاد، وأخيراً زاديه من 618 إلى 638 للميلاد باستثناء هؤلاء فقد توارث المُلك على الحيرة والدولة العربية المنذرية أبناء وسلالة امرؤ القيس بن عمرو منذ عام 370 للميلاد وحتى عام 638 أي بعد بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام بنحو 27 سنة وهي السنة التي ازدهرت فيها حركة الفتوحات الإسلامية خارج الجزيرة العربية حيث سنلاحظ أن أول وصول للمسلمين إلى فارس كان من البحرين وأن القضاء على دولة الفرس بدأ من البحرين وهكذا ظلت البحرين ومنذ بدء التكوين التاريخي للمنطقة مؤثرة في مسارات أحداثها الكبرى وركيزة مهمة من ركائز بناء تاريخ المنطقة وظل ملوكها من أبرز صُناع التاريخ البشري في هذه البقعة من العالم، التي حفلت بالنُبوات تماماً كما اكتظت قبل ذلك بالأرباب الأسطوريين والآلهة المتخيلة جنباً إلى جنب مع الأرباب والآلهة الصنمية ثم منها خرج نور الإسلام ليعمَ العالم.




>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

أتفق مؤرخي العرب على أن عربا من أهل تهامة مع عرب من أزد اليمن التقوا بعرب آخرين في البحرين فتحالفوا على ( التنوخ ) أي المقام فعقدوا حلفا ومعاهدة فصارت تسميتهم ( بالتوخيين ) .
وكان لهؤلاء التنوخيين قائدان هما مالك بن فهر الأزدي ومالك بن زهير ، وقد تنازل مالك بن زهير عن القيادة إلى مالك بن فهم ، فقام جذيمة بن مالك بن فهم بالزواج من ابنة مالك بن زهير . فصار القائد مالك بن فهم صاحب النسب المعروف في قضاعة وفي أزد العرب . ويخالط الغموض قصة هجرة العرب إلى البحرين . وقصة الحلف التنوخي ، وقيام الممالك العربية في العراق وسوريا ، ألا ان مؤرخي العرب كافة اتفقوا على ان القوم بعد ان تحالفوا في البحرين تطلعوا إلى ريف العراق ودخلوه ، وكان أول ملك عربي هناك هو مالك بن فهم الذي مات في العراق ودفن فيه ، وتولى الحكم بعده أخوه عمر بن فهم ، فما مات عمر تولى الملك ابن مالك جذيمة المعروف بالوضاح الأبرش الوجه .
وعلى هذا فان مالك بن فهم ، لم يقم في البحرين ، إنما أقام في العراق وملك ومات فيها . أما مؤرخو عمان مثل الازكوي في ( كشف الغمة ) وابن رزيق في ( الشعاع الشائع باللمعان ) والسالمي في ( تحفة الأعيان ) فقد نقلوا عن أبي المنذر هشام بن محمد السائب الكلبي المتوفى سنة 206 للهجرة ، ان مالك بن فهم لم يذهب للعراق بل عاد ومعه قومه بعد ان اختلف مع بقية الأقوام التنوخية المتحالفة لسبب تافه . فعاد من البحرين ماراً بأرض الإمارات حتى وصل إلى عمان فوجد إنها بيد الفرس وأن حاكمها كان مرزباناً فارسياً فقاتله مالك بن فهم الأزدي قتالا شديداً انتهى باندحار المرزبان الفارسي وهرب جيوشه إلى فارس ، فأصبح مالك بن فهم ملكا على عمان . وكان لمالك ولد اسمه ( سليمه ) حرص على تربيته وتنشئته نشأة عسكرية فكان يدربه على القتال وعلى استعمال القوس والنشاب ولكن الأمر انتهى بأن قُتل الوالد مالك بن فهم خطأ برمية سهم من يد أبنه سليمه بينما كان الوالد يقوم بإجراء بعض التمرينات الليلية لولده ، فلما وقع مالك بن فهم صريعا وقد اخترق سهم ولده سليمه قلبه أنشد قائلاً :
أعلمه الرماية كل يوم ... فلما اشتد ساعده رماني
وقد بكاه ولده سليمه ورثاه الشعراء ونعتوه باسم الشهيد ابي جذيمة .
وقد وقع مؤرخو عمان في التباس آخر عندما ذكروا أن مالك بن فهم عندما عاد أدراجه ، التقى بمجمع البحرين بالنبي موسى عليه السلام وزعموا انه هو الخضر عليه السلام صاحب موسى ووقع بينهما ما وقع ، ومن البديهي أن هذا خلط في الأحداث والسنين حيث أن زمن النبي موسى عليه السلام يعود إلى 1200 عاما قبل ميلاد المسيح ، أما قصة الحلف التنوخي فلقد حدثت بعد ولادة المسيح عليه السلام .
ثم اختلط عليهم الأمر مرة أخرى في الزمن الذي حدثت فيه هجرة الأزد سواء إلى العراق أم إلى عمان . فقالوا إنها حدثت على اثر انهيار سد مأرب ولكن المعروف ان السد المذكور قد انهار عام 450 بعد الميلاد ، فإذا كان جذيمة بن مالك قد وقع في غرام الزباء ملكة تدمر كما تقول بعض الروايات العربية ، فكيف تسنى له ذلك إذا علمنا ان الزباء ماتت عام 270 بعد الميلاد تقريبا .
إن إعادة النظر في الوقائع والأسماء والسنين تجعلنا نرجح ان قصة هجرة العرب إلى سواحل البحرين والقطيف وصعودهم منها إلى العراق ثم نزولهم إلى عمان حدثت على النحو التالي :
ان مالك بن فهم الازدي هاجر من اليمن اثر انهيار كلي أو جزئي حدث في السد وجاء السيل العرم وليس بالضرورة ان يكون هذا السيل سبب انهيار سد مأرب كله ، ذلك ان السد تعرض عدة مرات للانهيار ففي عام 200 بعد ميلاد المسيح كان يملك اليمن احد متأخري ملوك سبأ وحمير واسمه ( ياسر يهنعم ) وقد أسمته العرب ( ناشر النعم ) ، وفي عهده وقع حدثان هامان : الأول هو حدوث سيول وأمواج وطوفان هائل اجتاح وديان وسهول اليمن ، واصطدم بالسد العظيم ، مما دعا الملك إلى استنفار الجيش والشعب لترميم تصدع كبير في السد .
أما الحدث الأخر فهو ان ابن الملك المذكور واسمه ( شمهر يرعش ) تقدم بجيشه شمالا وغزا ارض تنوخ فوجد فيها قبيلة ( أسد ) .
وفي رأي الدكتور جواد علي أن أسم ( أسد ) هو في الأصل تسمية ( أزد ) ، فتكون القصة حسب تصوري أن مالكا والازد قد هاجروا في ذلك العام إلى البحرين ، وكان لمالك عددا من الأولاد . ففي جمهرة انساب العرب لابن حزم الاندلسي أن أولاد مالك ابن فهم أحد عشر ولدا ، أشهرهم ( جذيمة ) ملك العراق و ( سليمه ) ملك عمان و ( هناءة ) الذي ينسب إليه ( بنو هناء ) من أهل عمان والإمارات ، ورابع الأولاد هو الحارث الذي ينسب إليه ( لقيط ) الجد الأكبر للشحوح في الإمارات وعمان .
فمن مالك كان العرب الأولين وانتشروا من ضفاف الرافدين إلى سواحل الخليج العربي فجبال عمان وسهولها .
وإذا واصلنا تتبعاتنا للإحداث نجد من المؤرخين من يقول ان مالكا عندما ترك اليمن ونزح عنها وسار بقومه متجها نحو حضرموت أولا فنزل في وادي ( برهوت ) وهو واد تسكنه الجن ، ومن ذلك الوادي اتجه غربا حيث دخل ارض عمان التي كان الفرس يملكونها على أيام أردشير الأول فاصطدم مالك بالفرس وتمكن من إنزال هزيمة بالقوات الفارسية فهرب المزربان فاستسلم السلطة مالك بن فهم وأودعها لولده ( سليمه ) .
ويبدو أنه قد بقى فترة في عمان تزوج فيها من امرأة عمانية فولدت له ( هناءة ) و ( الحارث ) ، وتركهم هناك وأخذ معه ولده الآخر جذيمة واتجه بقسم من قومه شمالا وأناخ في البحرين ، والتقى هناك بمالك بن زهير وهناك تزوج جذيمه من ابنة مالك ابن زهير ، وتم عقد الحلف التنوخي وتوجه القوم كلهم إلى ريف العراق .
وفي العراق صار مالك بن فهم ملكا ، ولما مات مالك بن فهم ملك أخوه ثم آلت الدولة إلى الملك الشهير جذيمة الأبرش الوجه الذي نعتوه بالوضاح خوفا من بطشه إذا نعتوه بالأبرش . وتقول الأساطير العربية ان جذيمة الابرش وقع في غرام الزباء ملكة تدمر وإنها قتلته ثم انتحرت بالسم ، وهذه الواقعة تخالف مصادر التاريخ الروماني التي تقول إن الزباء ، بعد ان عظم ملكها وسيطرت على سوريا كلها ثم تركيا ثم مصر ، قاتلت الإمبراطورية الرومانية ، وقد انتهت الزباء بعد ان دمر الإمبراطور الروماني مدينة تدمر وأخذها أسيرة إلى روما حيث قضت نحبها هناك .
والذي يهمنا في قصة الزباء أن هذه المرأة العربية الشجاعة التي عاشت حياة مليئة بضروب المغامرات وكانت في فترة من فترات حياتها قد حاولت الاستنجاد بالفرس في قتالها ضد الرومان قد توجهت إلى سواحل الخليج العربي وتوقفت في مدخل الخليج . وهذه الواقعة لا تزال حقيقة واقعة إلى يومنا هذا تتمثل في بقايا قصرها الموجود في رأس الخيمة والمعروف باسم ( قصر الزباء ) ، حتى ان اسم الإمارة ( رأس الخيمة ) ينسبه البعض إلى خيمة نصبتها الزباء على مرتفع يطل على مدخل الخليج فسميت الإمارة براس الخيمة .. فهل ذهبت الزباء إلى تلك الديار لطلب النجدة من الفرس أم من سليمه ملك عمان وأخي حبيبها جذيمه ملك العراق .. ؟
وإذا تسلسلنا مع الإحداث بعد ذلك وتوقفنا في عام 300 بعد الميلاد تقريبا لنرى ماذا حدث لعرب المنطقة ، ففي تلك الفترة كان يحكم إيران الملك الساساني سابور الثاني ابن سابور الأول ابن أردشير بن بابك الساساني . وسابور الثاني هو الذي اسماه عرب الخليج باسم سابور ذي الأكتاف لأنه كان يقتل العرب الخليجيين بانتزاع أكتافهم من مكانها .
والظاهر ان عرب الخليج في ذلك الزمان كانوا قد باشروا في الهجرة من السواحل العربية إلى السواحل الفارسية على الخليج ، وأن إعدادا غفيرة منهم هاجرت إلى منطقة عيلام أو خوزستان أو عربستان كما يسميها العرب ، وامتدت الهجرة العربية فشملت أرجاء الساحل الفارسي كافة من الشمال إلى الجنوب .
ويبدو أن سابور ذا الأكتاف قرر ان يهاجم عرب الخليج لإيقاف الهجرة إلى فارس ، فكان هدفه الأول هو جزيرة البحرين والبر المقابل لها في ساحل القطيف ، ثم نزل إلى سواحل الإمارات وعمان وتوغل في اليمامة ، ونجد انه يقتل كل من يصادفه من العرب .
ويحدثنا المؤرخون العرب بأن قبائل بني تميم كانت هي الأكثر عددا في المنطقة حيث تمكن ملكهم عمرو بن تميم بن مر ان يدخل في مفاوضات ومحادثات مع سابور وأن يكف يده عن قومه وعن العرب الآخرين .
وما أن انتهت حملة سابور الدموية وتركت جيوشه الساحل العربي حتى عاد العرب من بني عبد قيس واختلطوا مع بقية العرب في سواحل الخليج ليكونوا الجيل الجديد الذي يستوطن البحرين والساحل المقابل لها ، كما بقيت الأزد وقضاعة وبقية القبائل العربية إلى ظهور الإسلام .



__________________________________________________ __________
قصة مالك بن فهم
حين هاجر الى عمان مالك بن فهم الدوسي إثر حادثة جرة لجاره مع أولاد أخيه عمرو بن فهم بن دوس بن عدثان بن عبد الله بن زهران، عندما كانا يعيشان معاً في ديار السراة في قرية الجبور بجوار جبل العرنين ، وبسبب هذه الحادثة تحول مالك بن فهم عن أخيه ولحق بعمان، ويحكي الأزدي تلك الحادثة فيقول: كان مالك بن فهم رجلاً جليلا في قومه شريفاً، وكان منزله بالقرب من العرنين( جبل إلى الأن يسما بذلك الأسم)، وكان سبب خروجه من السراة إلى عمان أنه كان له جار وكان له كلبه فرماها بنو أخي مالك بن فهم فقتلوها - وكانوا أعز من ولده - وكان له من الأولاد تسعة، فغضب وقال : لا أقيم ببلد يُنال فيه من جاري فلا أقدر أن أمنع عنه، ثم خرج هو وولده حتى نزلوا عمان، وفي ذلك يقول

ألا مـن مبلغ أبناء فـهـم
.........................مغـلغـلة عـن الرجل اليماني
****
ومـبلغ منهبا وبنـي بشير
.........................وسـعد اللات والحي الـمدان
****
تـحية نـازح أمـسى هواه
...........................بـجنح البحرمن أرض عمان
****
فحـلـو بالسراة وحل أهلـي
.........................بأرض عمان في صرف الزمان
****
جنبنا الخيل من برهوت شعثاً
......................إلى تـلهاب مـن شرقي عمان
****
وبلعـرنين كـنا أهـل عـز
.......................مـلكنا بـربراً وقـرى معان
****



وهاجر معه أخرون من بطون زهران من نسل غالب بن عثمان بن نصر بن زهران ، فما لبثوا أن انتشروا في نواحي عمان

وقام ومن معه من الأزد بإجلاء الفرس عن عمان وأصبح ملكاً لعمان واتخذ من مدينة قلهات عاصمه لملكه وقد حكم عمان أكثر من 70 سنة وسار فيهم سيره حسنه، وكان مالك قد أتخذ من أولاده حرساً له حيث كان يحرسه في كل ليلة واحداً منهم وكان يحب أصغر أولاده سليمة ويخصه بلعناية ويعلمه الرماية فغار منه اخوته وكادوا له عند أبيه وقالوا أن سليمة ينام أثناء حراسته لك فقام مالك بلتخفي للتاكد مما قاله أبنائه عن سليمة فاحس سليمة بصوت فرمى بأتجاهه فأصابه بسهمه فلما تكلم عرفه سليمة فقال أنا سليمه فقال مالك ولأمك الويل أحسبك والله قد قتلتني فادن فأحملني فحمله وانصرف بأخس كرة ولم يزل مالك وجعاً من رميته حتى مات سنة (480) قبل الهجره النبويه الشريفة (157م) وفي ذلك قال مالك
جـزاه الله من ولد جـزاء
........................سليمة انه سا ماجـزاني
****
اعـلمه الرماية كـل يوم
.......................فـلما اشتد ساعده رماني
****
فلا ظفرت يداه حين يرمي
........................وشلة منه حـاملة البناني
****
فـبكوا يابني علي حـولا
.....................ورثوني وجازوا من رماني
. ****



وهنا يلاحظ ان مالك اراد ان يعطي سليمة فرصة للهروب من عقاب اخوانه عندما طلب رثائه حولا كاملا ثم محاسبة سليمه وهذه حكمة رائعة

وقال سليمة في ذلك ندما على رمه لابيه
انـي رميت بغـير ثـائـرة
................بيت المكارم مـن بني غـنم
****
ماكـنت فيما قـلت تعـلم
...............من قد احاطت من ذوى الفهم
****
ولقد رمبت الركب اذا عرضوا
...................بين التليل فـروضة النجـم
****
فـرميت حـاميهم بـلا علم
.................ان ابـن فـهم مالكا ارمـي
****
فـوددت لو نفع المنـى احدا
..............أنـي هناك اصابني سـهمي



__________________________________________________ __________
تعتبر معركة سلوت (1). مفخرة من مفاخر التاريخ العسكري العماني، وحسبنا أنها لم تقتصر على نحت أروع ملحمة في سجل تاريخ عمان فحسب، بل شكلت منعطفا هاما في مسار التاريخ العماني، ذلك أن النصر الذي تحقق في هذه المعركة الحاسمة أسفر عن تحرير عمان من الهيمنة الفارسية، وأعطى لهويتها العربية بعدا جديدا.

والورقة التالية لا تسعي الى سرد تفاصيل أحداث هذه المعركة وجزئياتها لأنها معروفة ومتداولة في جل المراجع التاريخية التي تناولتها إسهاب، بل تهدف في المقام الأول الى تحليل العوامل التي كانت وراء الانتصار الذي حققه الجنود العمانيون.

وعلى محك هذه الرؤية، ومن خلال تحليل كافة الوقائع والأحداث كما وردت في كتاب (تحفة الأعيان) للمؤرخ العماني الشيخ نور الدين السالمي الذي اعتمد على مختلف الروايات والنصوص الواردة في المصادر التاريخية العمانية (2)، يتبين أن مجموعة من العوامل تضافرت لتحقيق ذلك الانتصار المؤزر، يمكن حصرها فيما يلي:

1- القيادة الواعية والشجاعة:

يجمع الدارسون على أن أسباب النصر في المعارك لا تعزى الى التفوق في التسلح ووفرة العدة والعتاد فحسب - رغم ما لذلك من أثر في تحديد مصيرها - بل تعود كذلك الى القيادة الواعية والشجاعة. ولا تعوزنا الأدلة المتعددة والمتنوعة للبرهنة على صحة هذه المقولة في التاريخ الانساني: فكثيرة هي الحروب التي استطاعت الفئة الصغيرة أن تحقق الغلبة على الفئة الكبيرة، ويكفي التذكير في هذا الصدد بمعركة بدر الكبرى وغزوة الأ حزاب (3) وملحمة حطين (4) والقائمة تطول. ومعظم الانتصارات التي سجلها تاريخ الانسانية تؤكد أهمية عنصر القيادة، فبقدر ما تكون هذه الأخيرة على وعي وادراك بخبايا الحروب، مع مسحة من الجرأة والشجاعة، بقدر ما كان ذلك صمام أمن من أية هزيمة محتملة. ولعل نموذج الرسول محمد (ص) وصلاح الدين الأيوبي في التاريخ الاسلامي وهانيبال والأسكندر المقدوني ونابليون وغيرهم من القادة العسكريين العظماء في التاريخ الأوروبي خير دليل على ما نذهب اليه.

من هذه القواعد والتجارب التاريخية، يمكن تفسير الانتصار الساحق الذي حققه الأزد العمانيون في معركة سلوت تحت قيادتهم الشجاعة المتمثلة في مالك بن فهم. ولا غرر فإن المصادر تجمع على بأسه وشجاعته حيث كان يتقدم الصفوف الأولى في الحروب بجرأة نادرة وبسالة ذكرها المؤرخون بإعجاب. وكدليل على ذلك تذكر الروايات المتواترة أنه قبل بدء معركة سلوت، تقدم اليه أربعة قادة من أكابر المرازبة والأساروة الفرس (ممن كان يعد الرجل منهم عن ألف رجـل) (5). وطلبوا منه أن يتقدم اليهم للمبارزة واحدا تلو الأخر، فنهض اليهم بكل جرأة، وتمكن من حصد رؤوسهم جميعا الا الرابع الذي لم ينجه سوى الفرار بعد أن راعه هول قتل زملائه أمام بصره ليرتد مذعورا نحو صفوف الفرس.

وكان الأسلوب القتالي الذي اتبعه مالك بن فهم ينم عن تقنيات فريدة ومستوى عال من التدريب العسكري اذ كان على معرفة دقيقة بقواعد الطعان، وهو ما يفسر قول الشيخ السالمي ابان حديثه عن مواجهته للفارس الثاني من مرازبة الفرس الذين طلبوا منه المبارزة: (ثم حمل الفارس الثاني على مالك وضرب مالكا، فلم تصنع ضربته شيئا، فضربه مالك على مفرق رأسه).(6)، مما يدل على اتقانه لأسلوب الدفاع والهجوم فضلا عن ذلك كان مالك بن فهم يعرف كيف يمتص حماس العدو المهاجم عن طريق الحيلة والذكاء ليحول هجومه الى اندحار، وهذا ما عبر عنه الشيخ السالمي أيضا ابان حديثه عن صراع مالك بن فهم مع حاكم الفرس - المرزبان - حين قال: (ثم ان المرزبان حمل على مالك بالسيف حملة الأسد الباسل، فراغ عنه مالك روغان الثعلب وعطف عليه بالسيف فضربه على مفرق رأسه). وكانت ضرباته من القوة والبأس ما جعل سيفه يخترق الدرع والبيضة التي كان يلبسها قادة الجيش الفارسي الذي واجههم عن طريق المبارزة الفردية. فعندما قاتل الفارس الثالث أفلح في ضربه على عاتقه فقسمه قسمين. بل انتهى السيف الى الحصان الذي كان يركبه (فرمى به قطعتين) (7) وهذا تعبير يفسر مدى قوة ضربات مالك بن فهم ويعطي الدليل على شجاعته وبأسه.

وللدلالة على دور شجاعة مالك بن فهم في صنع انتصار معركة سلوت يكفي القول أن المبارزات الفردية التي سبقت المعركة والتي أظهرت فيها ضوربا من البسالة قد أرهبت العدو ومهدت لانتصار الأزد خاصة بعد انتصاره على المرزبان نفسه، فقد فت ذلك في عضد الفرس، في الوقت الذي رفع معنويات الجنود العمانيين، فانطلقوا يثخنون قتلا وأسرا في جنود الفرس ويطاردونهم يمينا وشمالا حتى اضطروا الى الاستسلام، وهذا يدل على أن شجاعة القائد مالك بن فهم وجنوده كان لها أثر كبير في صنع هذا النصر (8).

2- التخطيط العسكري المحكم:

لقد وعى مالك بن فهم وجنوده الأزد أن حربهم مع الفرس ليست حربا متكافئة، فلم يكن عددهم يتجاوز 8 آلاف مقاتل، بينما وصل عدد الجيش الفارسي الى 30 أو 40 ألفا حسب اختلاف الروايات، فضلا عن تفوقهم في العدة والعتاد، ولعل هذا ما جعل الفرس يحتقرون مالكا وقومه، فقابلوا طلبه بمنحه أرضا من عمان ليستقر بها بكثير من المهانة والازدراء، بل قادتهم عجرفتهم واعتدادهم بالجيش والأموال الى رفض أي صيغة من صيغ التعايش معه، لذلك كان على مالك بن فهم أن يعتمد على التخطيط المنظم والبحث عن أفضل الاستراتيجيات العسكرية رغم ضعف العتاد والقوة البشرية لذلك بدأ تنظيمه من خلال الخطوات التالية التي تضمن له الانتصار:

1- تأمين قاعدة عسكرية خلفية وحماية من لا يستطيعون المشاركة في الحرب:

فمنذ هجرته الى أرض عمان، كان مالك بن فهم يدرك أن معركته مع الفرس أمر لا مفر منه، لذلك بمجرد نزوله في قلهات، بدأ في العمليات الأولية فترك النساء والأطفال والمؤونة في موضع قلهات بشط عمان، ولم يرد أن يزج بهم في هذه المعركة لان ذلك قد يشكل دافعا يشجع الفرس على الاستيلاء على غنائمهم وسبي نسائهم وعيالهم، بل فضل أن يجنبهم ويلات الحرب وترك معهم حامية تقوم بالسهر على أمنهم، وتكون قاعدة خلفية يمكن الرجوع اليها في حالة الهزيمة، وهذه خطوات وقائية تأمينية لا يتبناها إلا القادة المتمرسون في شؤون الحرب.

2 - اجراء التدابير والاستعدادات الأولية اللازمة:

أدرك مالك بن فهم - بحكم خبرته في شؤون الحرب - أن جنوده يحتاجون قبل بداية المعركة الى قسط من الراحة، لذلك أقام بناحية الجوف مدة لم تحددها المصادر. ويغلب على الظن أنها دامت عدة أيام، بعيدا عن عيون الفرس بدليل أنهم بنوا خلال هذه المدة فلجا بأمر من قائدهم عرف باسم فلج مالك، ولا يمكن أن نتصور أن بناء الفلج استغرق مدة قصيرة. وبناء الفلج في حد ذاته يحمل مغزى عسكريا لا يدركه الا الراسخون في أمور الحرب، ذلك أن الجيش يحتاج الى الماء مصدر الحياة، وتلك حقيقة لم تغب عن مالك بن فهم. ولا يخامرنا شك في أن توفير الماء والراحة للجنود الأزد قبل بداية المعركة ساهم بنصيب وافر في صنع الانتصار.

3- ملاءمة موقع المعركة:

لا جدال في أن الموقع يؤثر دوما على أحداث التاريخ. ومن هذا المنظور لا نتردد في القول بأن الموقع ساهم بدوره في انتصار الأزد العمانيين، فموضع سلوت الذي وقعت فيه المعركة عبارة عن صحراء والصحراء هي المكان الملائم الذي اعتاد العرب على خوض الحروب فيه، فطبيعتها القاسية كانت من الأمور المألوفة لدى الأزد، بينما كان هذا المجال من البيئة يعاكس الجيش الفارسي الذي اعتاد على المناطق الأقل حرارة، ولم تكن لديهم الخبرة في حروب البيئة الصحراوية، لذلك سرعان ما أخذ بهم التعب والاجهاد كل مأخذ وانهارت معنوياتهم، مما ساهم في هزيمتهم.

4- التنظيم والتعبئة في صفوف الجيش:

قبل بداية المعركة اهتم مالك بن فهم بتسليح جيشه وتجهيزه أحسن تجهيز وتمكينه من السيوف والخيول والدروع وأكمة الحديد والبيض والجواشن. وكلها أسلحة هجومية ودفاعية أيضا تحسبا لأي طاريء، بعيدا عن الغرور والثقة العمياء، وكان هو شخصيا يلبس غلالة حمراء وعمامة صفراء.. ثم بدأ بتوزيع الجنود الى كتائب، فى جعل لكل كتيبة راية. وأخذ يمر عليها واحدة تلو الأخرى ليضع اللمسات الأخيرة، وهذا يدل على حرصه الدقيق على نجاح التعبئة في صفوف الجيش. ورغم أن المرزبان كان هو الآخر يقوم بتعبئة جيشه بالنفخ في الأبواق والضرب على الطبول اذكاء لحماسهم، فإن ذلك لم يجد نفعا لانهيار معنوياتهم وعدم وضوح الهدف الذي يقاتلون من أجله، إذ كانوا محتلين لأرض ليست أرضهم، لذلك لم تفلح الطبول في إذكاء الحمية التي تشحذ الهمم، على عكس الجيش العماني الذي كان جمرة متقدة من شدة الحماس للذوذ عن وطنه وأرضه التي اغتصبها الفرس، فكانت معنوياتهم مرتفعة الى أقصى الحدود.

5- رصد أخبار العدو:

من خلال تتبع روايات المعركة يبدو أن مالك بن فهم كان يراقب العدو عن كثب، ويقف على أخباره أولا بأول، وهذا ما نستشفه من خلال الخبر الذي بلغه عن تجمع جيوش المرزبان بصحراء سلوت. ورغم أن المصادر لا تفصح عن كيفية بلوغ الخبر اليه، فالراجح أنه بث العيون لتتبع أخبار العدو ومراقبة سكناته وحركاته، لذلك لم يتمكن الفرس من إحداث عنصر المباغتة في المعركة. فلو حدث ذلك لكان فيه خسارة لجنود الأزد، لكن مالكا تفطن لذلك مما جعله مهيأ للمعركة، بل أنه فاجأ هو بنفسه الجيش الفارسي وفرض عليه الحرب في صحراء سلوت بدل قلهات.

6- رفع الروح المعنوية وزرع روح الحماس في جند عمان:

يعتبر التشجيع على القتال ورفع معنويات الجيش من المناهج النفسية لكسب المعركة قديما وحديثا. ولم تغب هذه الحقيقة عن مالك بن فهم إذ استعمل كل ما يملك من الوسائل المتاحة لرفع معنويات جيشه وزرع الثقة في مقدراتهم القتالية. وفي هذا السياق استعمل سلاح العرب الفعال وهو الخطبة. ومعلوم أن الخطبة لها وقع مؤثر على نفسية الجنود، ناهيك عن دورها في ايقاظ الهمم وكسب الثقة.

ويورد المؤرخ السالمي نص الخطبة التي ألقاها مالك بن فهم على كل كتيبة من كتائب الأزد، ومما جاء فيها: (يا معشر الأزد أهل النجدة والحفاظ، حاموا عن أحسابكم وذبوا عن مآثر آبائكم وقاتلوا وناصحوا ملككم وسلطانكم، فإنكم إن انكسرتم وهزمتم اتبعتكم العجم في كافة جنودكم، فاختطفوكم واصطادوكم من كل حجر ومدر) (9).

والواضح من هذا المقطع من الخطبة، أن مالكا استهدف ايقاظ الهمم وترسيخ الثقة في نفسية جنوده وابراز امكانياتهم القتالية الهائلة، وهو ما يتجلى في وصفه لهم بأنهم (أهل النجدة والحفاظ). كما وظف بمهارته وفطنته مسألة النسب العربي لاذكاء الحمية العربية من خلال تصوير الحرب بأنها معركة مصير بين عرب وعجم. وفي الوقت ذاته حذر من عواقب الهزيمة، فبين لمخاطبيه أن الفرس لن يرحموهم اذا ما انتصروا عليهم، ومن ثم لا يبقى لجنود الأزد العمانيين سوى خيارين لا ثالث لهما: إما النصر واما الاستشهاد، فكان ذلك حافزا لجنوده على المزيد من الاستبسال في المعركة.

7 - استعمال أساليب قتالية مبتكرة للقضاء على تفوق العدو العسكري:

كان عنصر القوة الضاربة في الجيش الفارسي يتجل في استخدام الفيلة في حروبهم بيد أن مالك بن فهم عرف كيف يغير هذه المعادلة ليجعل نتيجتها عكسية تماما، فقد ابتكر أسلوبا جديدا لمواجهة الفيلة يقضي بضرب خراطيمها بالسيوف ورشق عيونها بالنبال، مما أدى الى تراجعها مذعورة الى الخلف، وأثناء ارتدادها كانت تطأ على أجساد الجنود الفرس، فتحولت بسبب ذلك من أداة للهجوم في ميدان الأعداء الى أداة فناء وموت محقق لهم حيث قتل الآلاف منهم وتحولوا بهذه الطريقة البشعة الى أكوام من الجثث. وهذا الأسلوب نفسه سيستعمله العرب المسلمون - فيما بعد - في حرب القادسية الشهيرة.

8 - سرعة اتخاذ القرار الناحج واستغلال الفرص ابان المعركة:

عرف مالك بن فهم الأوقات المناسبة التي كان يتخذ فيها القرار الجريء لسير المعركة كما عرف كيف يستغل الفرص الملائمة لكسب المز يد من النصر، فعندما رأى هيجان الفيلة وتراجعها. أصدر قراره باكتساح قلب الجيش الفارسي وتطويق باقي الأجنحة، مما جعل الذعر والهلع يدب في الجيش الفارسي والاضطراب يتفشى في صفوفه، فاستغل جيش الأزد تلك الفرصة لاكتساحهم فأثخنوا فيهم قتلا وتشريدا. وعندما نجح مالك بن فهم في قتل المرزبان - وهو القائد الأعلى للجيش الفارسي - لم يترك هذه الفرصة تضيع لأن قتله أدى الى احباط كبير وانهيار في معنويات الجيش الفارسي، فوجه أمره الفوري بالقيام بهجوم كاسح (فقتل منهم خلق كثير) (10)، وهكذا يتبين أن اتخاذ القرار السريع وفي اللحظة المناسبة أسفر عن هزيمة الفرس في هذه المعركة.

9- طاعة الجند العمائي ومحبتهم لقائدهم:

في ليلة المعركة أخذ مالك بن فهم يتفقد الكتائب العسكرية ويوجه اليها الأوامر الواجب اتباعها خلال القتال، فأمر قائد كل كتيبة أن يبقى جنوده في مكان مناسب عينه له، كما وجه أمره الى ابنيه هناءة لقيادة ميمنة الجيش وفراهيد لقيادة شماله، بينما تولى هو شخصيا قيادة القلب المتكون من أشد الجنود تمرسا في الحروب.

وكانت كل أوامره تتلقى بالسمع والطاعة من طرف جنوده لثقتهم في قائدهم وصحبتهم له، ولم نعثر على نصوص تؤكد مخالفة أي كتيبة لأوامره التي كان يقررها بدون تردد ويتحمل فيها كامل المسؤولية، وكان جيشه ينفذها حرفيا دون تلكؤ. ولعل هذه الطاعة والمحبة المتبادلة بين الجند والقائد، كلها عوامل ساهمت في خلق شروط النصر.

10- الصبر والثبات في القتال:

أعطى جنود الأزد خلال معركة سلوت مثالا صارخا في الصبر والثبات، فلم تثنهم عزيمة الحرية والانعتاق عن ترك أبنائهم ونسائهم في قلهات، وتحمل الصبر على فراقهم من أجل طرد الفرس من عمان. وابان المعركة أبانوا عن صبر وجلد قل نظيره، ولا غرر فقد كانوا يقاتلون طوال النهار دون توقف، ولم يكن يحل بينهم وبين مواصلة القتال سوى الليل، واستمروا على هذه الوتيرة ثلاثة أيام حتى انبلج النصر. ولولا ثباتهم وصبرهم في المعركة رغم شراستها، ووقوفهم وجها لوجه أمام جيش مدجج بالسلاح، لما أمكن تحقيق هذا المكسب العسكري الهام.

11- التشبث بقيم المروءة والشرف:

ان الجانب الأخلاقي في الحروب يبقى من الشيم العربية الأصيلة، ولا شك أن هزيمة الفرس واستسلامهم وطلبهم الهدنة ترجع الى ما لاحظوه في جند عمان وقائده من مروءة وشرف وحفاظ على العهود والمواثيق. فمالك بن فهم لم يبدأ الحرب ضدهم الا بعد أن يئس من أي حل سلمي معهم وذلك عندما حدت بهم غطرستهم الى الامتناع كليا عن منحه موطيء قدم في أرض عمان رغم شساعتها (11). وقد انتظر الأزد مدة طويلة ليقفوا على جواب المرزبان، وكان بالامكان أن ينفد صبرهم ويدقوا طبول الحرب عليهم، لكنهم فضلوا التعامل بمستوى أخلاقي حضاري يقوم على مبدأ السلم والمهادنة، غير أن رفض الفرس لأي حل مرض فرض عليهم الدخول في هذه المعركة التي لم تكن بالنسبة لهم غاية في حد ذاتها وانما وسيلة.

نفس الشيء، يقال عن تعامل مالك بن فهم مع الفرس، بعد أن كبدهم هزيمة نكراء، فقد كان بامكانه أن يبدد شملهم ويستأصل شأفتهم ويمزقهم شر ممزق، لكن مروءته أملت عليه ضرورة الكف عن أبادته، بل ذهب الى حد عقد معاهدة سلمية معهم رغم أن ميزان القوى العسكري كان في صالحه. ناهيك عن تميز الجند العماني بحفظ المواثيق والعهود اذ لم يدخر وسعا في احترام الهدنة المعقودة مع الفرس لولا أن هؤلاء بأمر من امبراطورهم دارا بن دارا بن بهمن تنكروا لهذه الاتفاقية وأعلنوا الحرب مجددا ضد الازد في ديارهم، مما أسفر عن تجدد الصراع الذي انتهى بنصر عسكري نهائي لأزد عمان.

والخلاصة أن الانتصار المحقق في معركة سلوت لم يكن - كما أثبت التحليل - وليد الصدفة أو الحظ، بل جاء في سياق خطة مدروسة واستراتيجية حربية بعيدة العمق، وقيادة واعية متمرسة بشؤون الحرب، فضلا عن شجاعة وبسالة وأخلاق حضارية تميز بها جنود عمان الأشاوس.

الهوامش:

1- سميت هذه المعركة باسم سلوت نسبة الى الموقع الذي جرت فيه وهو صحراء سلوت. وقد استمرت هذه الحرب التي لا يعرف تاريخها بالضبط ثلاثة أيام.

2- انظر تفاصيل هذه المعركة في كتابه: تحفة الأعيان بسيرة اهل عمان، ج 1 وقد عالجها من ص 23 الى ص 30.

3- ينظر في تفاصيل المعركة الأولى وحيثيات انتصار المسلمين فيها: ابن هشام: تهذيب سيرة ابن هشام، تحقيق عبدالسلام محمد هارون، مكتبة السنة، القاهرة 1989 (طبعة 6) ص 122 وما بعدما، وعن غزوة الأحزاب ينظر نفس المصدر، ص 168 وما بعدها.

4 - عن معركة حطين. انظر: فايد حماد محمد عاشور: الجهاد الاسلامي ضد الصليبيين في العصر الأيوبي، دار الاعتصام، القاهرة (دون تاريخ)، ص 125 وما بعدها. وانظر كذلك: سعيد علي الحريري: الحروب الصليبية: أسبابها - حملاتها - نتائجها. دار التضامن للطباعة والنشر والتوزيع - مؤسسة دار الكتاب الحديث، بيروت 1988، ص 148 وما بعدها، ويمكن الرجوع أيضا الى وقائع ندوة الاحتفال بذكرى حطين صلاح الدين تحت عنوان: ثمانمائة عام حطين صلاح الدين والعمل العربي الموحد، دار الشروق، القاهرة 1989.

5- تحفة الأعيان، ص 26.

6- المرجع نفسه، ص 27.

7- المرجع نفسه، والصفحة نفسها.

8- سليمان بن خلف الخروصي: ملامح من التاريخ العماني، الطبعة الثانية 1995، ص 99- 100.

9- نور الدين السالمي: م. س، ص 26.

10- المرجع نفسه، ص 28.

11- وندل فيليبس: تاريخ عمان، ترجمة محمد أمين عبدالله، الطبعة الرابعة 1994، ص 14.



__________________________________________________ __________
مشكوووووووورة على القصة الرائعة يا الغالية


__________________________________________________ __________
مشكورة ع القصة