عنوان الموضوع : مولد الرسول صلى الله عليه وسلم
مقدم من طرف منتديات المرأة العربية



كانت "مكة" على موعد مع حدث عظيم كان له تأثيره في مسيرة البشرية وحياة البشر طوال أربعة عشر قرنًا من الزمان، وسيظل يشرق بنوره على الكون، ويرشد بهداه الحائرين، إلى أن يرث ط§ظ„ظ„ظ‡ الأرض وما عليها.

كان ميلاد ط§ظ„ط±ط³ظˆظ„ "محمد" صلى الله ط¹ظ„ظٹظ‡ ظˆط³ظ„ظ… أهم حدث في تاريخ البشرية على الإطلاق منذ أن خلق الله الكون، وسخر كل ما فيه لخدمة الإنسان، وكأن هذا الكون كان يرتقب قدومه منذ أمد بعيد.

وفي (12 من ربيع الأول) من عام الفيل شرف الكون بميلاد سيد الخلق وخاتم المرسلين "محمد" صلى الله عليه وسلم.


نسبه الشريف

هو "أبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة"، ويمتد نسبه إلى "إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان"، وينتهي إلى "إسماعيل بن إبراهيم" عليهما السلام.

وأمه "آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة"، ويتصل نسب أمه مع أبيه بدءًا من "كلاب بن مرة".

ورُوي في سبب تسميته أن أمه أُمرت أن تسميه بذلك وهي حامل، وروي أن جده عبد المطلب رأى في منامه كأن سلسلة من فضة خرجت من ظهره، لها طرف في السماء وطرف في الأرض، وطرف في المشرق وطرف في المغرب، ثم عادت كأنها شجرة، على كل ورقة منها نور، وإذ بأهل المشرق والمغرب يتعلقون بها؛ فتأولها بمولود يكون من صلبه يتبعه أهل المشرق والمغرب، ويحمده أهل السماء فسماه "محمد".

وتبدو أسباب التهيئة والإعداد من الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم في مهمته الجليلة ورسالته العظيمة، جلية واضحة منذ اللحظة الأولى في حياته، بل إنها كانت قبل ذلك، وقد تجلى ذلك حتى في اصطفاء اسمه صلى الله عليه وسلم، فليس في اسمه أو اسم أبيه أو جده ما يحط قدره وينقص منزلته، وليس في اسمه شيء محتقر، كما أنه ليس اسمه اسمًا مصغرًا تستصغر معه منزلته، وليس فيه كبرياء أو زيادة تعاظم يثير النفور منه.

ابن الذبيحين

ويعرف النبي صلى الله عليه وسلم بابن الذبيحين، فأبوه "عبد الله" هو الذبيح الذي نذر "عبد المطلب" ذبحه ثم فداه بمائة من الإبل، وجده "إسماعيل" – عليه السلام- هو الذبيح الذي فداه ربه بذبح عظيم.

وقد اجتمع للنبي صلى الله عليه وسلم من أسباب الشرف والكمال ما يوقع في نفوس الناس استعظامه، ويسهل عليهم قبول ما يخبر به، وأول تلك الأسباب كان شرف النسب "وأشرف النسب ما كان إلى أولي الدين، وأشرف ذلك ما كان إلى النبيين، وأفضل ذلك ما كان إلى العظماء من الأنبياء، وأفضل ذلك ما كان إلى نبي قد اتفقت الملل على تعظيمه".

ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يهوديًا ولا نصرانيًا ولا مجوسيًا، لأنه لو كان من أهل ملة لكان خارجًا عن دين من يدعوهم فيكون عندهم مبتدعًا كافرًا، وذلك ما يدعوهم إلى تنفير الناس منه، وإنما كان حنيفًا مسلمًا على مله آبائه: "إبراهيم" و"إسماعيل" عليهما السلام.

مولد النبي صلى الله عليه وسلم إيذان بزوال الشرك


كان ظ…ظˆظ„ط¯ النبي صلى الله عليه وسلم نذيرا بزوال دولة الشرك، ونشر الحق والخير والعدل بين الناس، ورفع الظلم والبغي والعدوان.

وكانت الدنيا تموج بألوان الشرك والوثنية وتمتلئ بطواغيت الكفر والطغيان، وعندما أشرق مولد سيد الخلق كانت له إرهاصات عجيبة، وصاحبته ظواهر غريبة وأحداث فريدة، ففي يوم مولده زلزل إيوان "كسرى" فسقطت منه أربع عشرة شرفة، وخمدت نار "فارس" ولم تكن خمدت قبل ذلك بألف عام، وغاضت بحيرة "ساوة".

وروى عن أمه أنها قالت: "رأيت لما وضعته نورًا بدا مني ساطعًا حتى أفزعني، ولم أر شيئًا مما يراه النساء". وذكرت "فاطمة بنت عبد الله" أنها شهدت ولادة النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: "فما شيء أنظر إليه من البيت إلا نور، وإني لأنظر إلى النجوم تدنو حتى إني لأقول لتقعن عليَّ".

وروى أنه صلى الله عليه وسلم ولد معذورًا مسرورًا -أي مختونًا مقطوع السرة- وأنه كان يشير بإصبع يده كالمسبّح بها.

محمد اليتيم

فقد محمد صلى الله عليه وسلم أباه قبل مولده، وكانت وفاة أبيه بالمدينة عند أخوال أبيه من "بني النجار" وهو في الخامسة والعشرين من عمره.

وعلى عادة العرب فقد أرسله جدُّه إلى البادية ليسترضع في "بني سعد"، وكانت حاضنته "حليمة بنت أبي ذؤيب السعدي"، فلم يزل مقيمًا في "بني سعد" يرون به البركة في أنفسهم وأموالهم حتى كانت حادثة شق الصدر، فخافوا عليه وردوه إلى جده "عبد المطلب" وهو في نحو الخامسة من عمره.

لم تلبث أمه "آمنة" أن توفيت في "الأبواء" – بين "مكة" و "المدينة" – وهي في الثلاثين من عمرها، وكان محمد صلى الله عليه وسلم قد تجاوز السادسة بثلاثة أشهر.

وكأنما كان على "محمد" صلى الله عليه وسلم أن يتجرع مرارة اليتم في طفولته، ليكون أبًا لليتامى والمساكين بعد نبوته، وليتضح أثر ذلك الشعور باليتم في حنوّه على اليتامى وبره بهم، ودعوته إلى كفالتهم ورعايتهم والعناية بهم.

محمد في كفالة جده وعمه

عاش "محمد" صلى الله عليه وسلم في كنف جده "عبد المطلب" وكان يحبه ويعطف عليه، فلما مات "عبد المطلب" وكان "محمد" في الثامنة من عمره، كفله عمه "أبو طالب"، فكان خير عون له في الحياة بعد موت جده، وكان أبو طالب سيدًا شريفًا مطاعًا مهيبًا، مع ما كان عليه من الفقر، وكان "أبو طالب" يحب محمدًا ويؤثره على أبنائه ليعوضه ما فقده من حنان وعطف.

وحينما خرج "أبو طالب" في تجارة إلى "الشام" تعلق به "محمد" فرقّ له "أبو طالب" وأخذه معه، فلما نزل الركب "بصرى" -من أرض "الشام"- وكان بها راهب اسمه "بحيرى" في صومعة له، فلما رآه "بحيرى" جعل يلحظه لحظًا شديدًا، ويتفحصه مليًا، ثم أقبل على عمه "أبي طالب" فأخذ يوصيه به، ويدعوه إلى الرجوع به إلى بلده، ويحذره من اليهود.

محمد في مكة

وشهد "محمد" صلى الله عليه وسلم حرب الفجار – الذين فجّروا القتال في شهر الله الحرام رجب- وكان في السابعة عشرة من عمره.

وحضر "حلف الفضول" وقد جاوز العشرين من عمره، وقد قال فيه بعد بعثته: "حضرت في دار عبد الله بن جدعان حلفًا ما يسرني به حمر النعم، ولو دُعيت إليه اليوم لأجبت".

وقد عُرف النبي صلى الله عليه وسلم – منذ حداثة سنه – بالصادق الأمين، وكان موضع احترام وتقدير "قريش" في صباه وشبابه، حتى إنهم احتكموا إليه عندما اختلفوا فيمن يضع الحجر الأسود في مكانه من الكعبة، حينما أعادوا بناءها بعدما تهدّمت بسبب سيل أصابها، وأرادت كل قبيلة أن تحظى بهذا الشرف حتى طار الشرُّ بينهم، وكادوا يقتتلون، فلما رأوه مقبلاً قالوا: قد رضينا بحكم "محمد بن عبد الله"، فبسط رداءه، ثم وضع الحجر وسطه، وطلب أن تحمل كل قبيلة جانبًا من جوانب الرداء، فلما رفعوه جميعًا حتى بلغ الموضع، أخذه بيده الشريفة ووضعه مكانه.

وعندما بلغ "محمد" صلى الله عليه وسلم الخامسة والعشرين تزوج السيدة "خديجة بنت خويلد"، قبل أن يُبعث، فولدت له "القاسم" و"رقية" و"زينب" و"أم كلثوم"، وولدت له بعد البعثة "عبد الله".

من البعثة إلى الوفاة

ولما استكمل النبي صلى الله عليه وسلم أربعين سنة كانت بعثته، وكانت "خديجة" أول من آمن به من النساء، وكان "أبو بكر الصديق" أول من آمن به من الرجال، و"علي بن أبي طالب" أول من آمن من الصبيان.

وأقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاث سنين يكتم أمره، ويدعو الناس سرًا إلى الإسلام، فآمن به عدد قليل، فلما أمر بإبلاغ دعوته إلى الناس والجهر بها، بدأت قريش في إيذائه وتعرضت له ولأصحابه، ونال المؤمنون بدعوته صنوف الاضطهاد والتنكيل، وظل المسلمون يقاسون التعذيب والاضطهاد حتى اضطروا إلى ترك أوطانهم والهجرة إلى "الحبشة" ثم إلى المدينة.

ومرّت الأعوام حتى عاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة فاتحًا –في العام العاشر من الهجرة- ونصر الله المسلمين بعد أن خرجوا منها مقهورين، ومكّن لهم في الأرض بعد أن كانوا مستذلّين مستضعفين، وأظهر الله دينه وأعز نبيه ودحر الشرك وهزم المشركين.

وفي العام التالي توفي النبي صلى الله عليه وسلم في (12 من ربيع الأول 11هـ = 7 من يونيو 632م) عن عمر بلغ (63) عامًا.

بدايات الاحتفال بالمولد النبوي

لعل أول من أحدث الاحتفال بذكرى المولد النبوي هو الملك المظفر "أبو سعيد كوكبري بن زيد الدين علي بن بكتكين" صاحب إربل، وكان أحد الملوك الأمجاد، وكان يحتفل به احتفالاً هائلاً يحضره الأعيان والعلماء ويدعو إليه الصوفية والفقراء.

وقد اختلف العلماء حول شرعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، وانقسموا بين مؤيد ومعارض، وكان من أشد المنكرين لذلك المعارضين له؛ باعتباره بدعة مذمومة الشيخ "تاج الدين اللخمي" الذي يقول: "لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب الله تعالى ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بدعة أحدثها البطّالون، وشهوة نفس اعتنى بها الأكّالون".

وقد انبرى الإمام "السيوطي" للرد عليه وتفنيد مزاعمه وإبطال حججه، وإذا كان بعض الناس يرتكبون أفعالاً منكرة في الاحتفال بالمولد، من لهو وصد عن ذكر الله وغير ذلك، فإن تعظيم هذا اليوم إنما يكون بزيادة الأعمال الصالحة والصدقات وغير ذلك من التقرب إلى الله تعالى.

وقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم؛ فصامه موسى. قال: فأنا أحق بموسى منكم؛ فصامه وأمر بصيامه.. (بخاري: كتاب الصوم، باب صيام يوم عاشوراء، رقم 2017).

ولعل في إشارة النبي صلى الله عليه وسلم إلى فضيلة هذا اليوم حينما سأله سائل عن صوم يوم الإثنين فقال: "ذلك يوم ولدت فيه"؛ ففيه تشريف لهذا اليوم الذي ولد فيه صلى الله عليه وسلم.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد





>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم ، والبدعة الحسنة!
الشيخ الإمام عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله

س 147 يقول السائل: بالنسبة للاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول من كل عام، أنا أعرف أنه بدعة، ولكنني سمعت من يقول بأن هناك بدعة حسنة أو بدعة مستحبة، وهناك من يعملونه في كل عام هجري في شهر ربيع الأول، فأرجو إيضاح ذلك، بارك الله فيكم؟

الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن الاحتفال بالمولد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والتسليم أمر قد كثر فيه الكلام، وكتبنا فيه كتابات متعددة، ونشرت في الصحف مرات كثيرة، ووزعت مرات كثيرة، وكتب فيه غيري من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم، وبيَّن أولئك العلماء أنه بدعة، وأن وجوده من بعض الناس لا يبرر كونه سنة، ولا يدل على جوازه ومشروعيته.
وقد نص على ذلك أيضا الشاطبي رحمه الله في كتابه الاعتصام، وكتب في هذا أيضا شيخنا العلامة الكبير محمد بن إبراهيم رحمه الله كتابة وافية، وليس في هذا والحمد لله شك عند من عرف الأصول وعرف القاعدة الشرعية في كمال الشريعة والتحذير من البدع، وإنما يُشكل هذا على بعض الناس الذين لم يحققوا الأصول ولم يدرسوا طريقة السلف الصالح دراسة وافية كافية، بل اغتروا بمن فعل المولد من بعض الناس فقلدوه، أو اغتروا بمن قالت إن في الإسلام بدعة حسنة.
والصواب في هذا المقام أن الاحتفال بالموالد كله بدعة، بمولده عليه الصلاة والسلام وبمولد غيره، كمولد البدوي أو الشيخ عبد القادر الجيلاني أو غيرهما، لم يفعله السلف الصالح، ولم يفعل النبي صلى الله عليه وسلم احتفالا بمولده، وهو المعلم المرشد عليه الصلاة والسلام، وقد بلغ البلاغ المبين، ونصح الأمة وما ترك سبيلا يقرب من الله ويدني من رحمته إلا بيَّنه للأمة وأرشدهم إليه، وما ترك سبيلا يباعد من رحمة الله ويدني من النار إلا بيَّنه للأمة وحذرهم منه، فقد قال الله سبحانه: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا [المائدة: 3].
وقد أقام عليه الصلاة والسلام في مكة ثلاث عشرة سنة وفي المدينة عشر سنين ولم يحتفل بهذا المولد، ولم يقل للأمة افعلوا ذلك، ثم صحابته رضي الله عنهم وأرضاهم لم يفعلوا ذلك، لا الخلفاء الراشدون، ولا غيرهم من الصحابة، ثم التابعون لهم بإحسان من التابعين وأتباع التابعين من القرون المفضلة كلهم على هذا السبيل، لم يفعلوا شيئا من هذا؛ لا قولا ولا عملا.
ثم أتى بعض الناس في القرن الرابع ممن ينسب إلى البدعة من الشيعة الفاطميين المعروفين، حكام مصر والمغرب فأحدثوا هذه البدعة، ثم تابعهم غيرهم من بعض أهل السنة جهلا بالحق، وتقليدا لمن سار في هذا الطريق، أو أخذا بشبهات لا توصل إلى الحق.
فالواجب على المؤمن أن يأخذ الحق بدليله، وأن يتحرى ما جاءت به السنة والكتاب حتى يكون حكمه على بينة وعلى بصيرة، وحتى يكون سيره على منهج قويم.
والله يقول: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى: 10]، ويقول عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء: 59].
وإذا نظرنا فيما يفعله الناس من الاحتفالات ورددناها إلى القرآن العظيم لم نجد فيه ما يدل عليها، وإذا رددناه إلى السنة لم نجد فيها ما يدل على ذلك لا فعلا ولا قولا ولا تقريرا، فعلم بذلك أن الاحتفال بالمولد النبوي بدعة بلا شك يجب تركها ولا يجوز فعلها، ومن فعل ذلك من الناس فهو بين أمرين: إما جاهل لم يعرف الحق فيعلم ويرشد، وإما متعصب لهوى وغرض، فيدعى للصواب ويدعى له بالهداية والتوفيق، وليس واحد منهما حجة؛ لا الجاهل ولا المتعصب، وإنما الحجة فيما قاله الله ورسوله لا في قول غيرهما.
ثم القول بأن البدعة تنقسم إلى حسنة وسيئة وإلى محرمة وواجبة؛ قول بلا دليل، وقد رد ذلك أهل العلم واليقين وبينوا خطأ هذا التقسيم، واحتجوا على هذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد يعني: فهو مردود (متفق على صحته)، وروى مسلم رحمه الله في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد يعني: فهو مردود.
وفي الصحيح عن جابر رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في خطبته: أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة ولم يقل البدعة فيها كذا وكذا؛ بل قال: كل بدعة ضلالة. وقد وعظ أصحابه فقال: وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة
والبدعة شرعا إنما تكون في أمور الدين والتقرب إلى الله سبحانه، لا في أمور الدنيا، أما أمور الدنيا مثل المآكل والمشارب فللناس أن يحدثوا بمآكلهم وطعامهم وشرابهم صناعات خاصة، يصنعون الخبز على طريقة والأرز على طريقة، وأنواعا أخرى على طريقة، لهم أن يتنوعوا في طعامهم، وليس في هذا حرج.
وإنما الكلام في القربات والعبادات التي يتقرب بها إلى الله، هذا هو محل التبديع، وكذلك الصناعات، وآلات الحرب للناس أن يحدثوا أشياء يستعينون بها في الحرب، من القنابل والمدافع وغير ذلك، وللناس أن يحدثوا المراكب والطائرات والسفن الفضائية والقطارات، ليس في هذا شيء، إنما الكلام فيما يتقرب به إلى الله، ويعده الناس قربة وطاعة يرجون ثوابها عند الله.
هذا هو محل النظر، فما لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم هو ولا أصحابه، ولم يدل عليه صلى الله عليه وسلم، ولم يرشد إليه، بل أحدثه الناس وأدخلوه في دين الله فهو بدعة؛ شاء فلان أم غضب فلان، فالحق أحق بالاتباع.
ومن هذا الباب ما أحدثه الناس من بناء المساجد على القبور واتخاذ القباب عليها، فهذه من البدع التي وقع بها شر كثير، حتى وقع الشرك الأكبر وعبدت القبور من دون الله؛ بأسباب هذه البدع، فيجب على المؤمن أن ينتبه لما شرعه الله فيأخذ به، وعليه أن ينتبه لما ابتدعه الناس فيحذره؛ وإن عظَّمه المشار إليهم من أهل الجهل، أو التقليد الأعمى، والتعصب.
فلا عبرة عند الله بأهل التقليد الأعمى، ولا بأهل التعصب، ولا بأهل الجهل، وإنما الميزان عند الله لمن أخذ بالدليل واحتج بالدليل وأراد الحق بدليله، هذا هو الذي يعتبر في الميزان، ويرجع إلى قوله، ونسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.




__________________________________________________ __________


__________________________________________________ __________


__________________________________________________ __________


__________________________________________________ __________