عنوان الموضوع : نسب حبيبنا ومولده <<< في الاسلام
مقدم من طرف منتديات المرأة العربية



والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد بن عبداللّه ...


أولاد عبدالمطلب بن هاشم

أولاد عبدالمطلب وامهاتهم :


قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏ فولد عبدالمطلب بن هاشم عشرة نفر وست نسوة ‏‏‏:‏‏‏ العباس ، وحمزة ، وعبدالله ، وأبا طالب - واسمه عبد مناف - والزبير ، والحارث ، وحجلا ، والمقوم ، وضرارا ، وأبا لهب - واسمه عبدالعزى - وصفية ، وأم حكيم البيضاء ، وعاتكة ، وأميمة ، وأروى ، و برة
‏‏‏.‏‏‏ ‏‏

فأم العباس وضرار ‏‏‏:‏‏‏ نتيلة بنت جناب بن كليب بن مالك بن عمرو بن عامر بن زيد مناة بن عامر - وهو الضحيان - بن سعد بن الخزرج بن تيم اللات بن النمر بن قاسط بن هنب بن أفصى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار ‏‏‏.‏‏‏ ويقال ‏‏‏:‏‏‏ أفصى بن دعمي بن جديلة
‏‏‏.‏‏‏

وأم حمزة والمقوم وحجل ، وكان يلقب بالغيداق لكثرة خيره ، وسعة ماله ، وصفية ‏‏‏:‏‏‏ هالة بنت وهيب بن عبد مناة بن زهرة بن كلاب بن مرة ابن كعب بن لؤي ‏‏‏.‏‏‏

وأم عبدالله ، وأبي طالب ، والزبير ، وجميع النساء غير صفية ‏‏‏:‏‏‏ فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر ‏‏‏.‏‏‏

وأمها ‏‏‏:‏‏‏ صخرة بنت عبد بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر ‏‏‏.‏‏‏

وأم صخرة ‏‏‏:‏‏‏ تخمر بنت عبد بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر ‏‏‏.‏‏‏

وأم الحارث بن عبدالمطلب ‏‏‏:‏‏‏ سمراء بنت جندب بن جحير بن رئاب بن حبيب بن سواءة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة
‏‏‏.‏‏‏

وأم أبي لهب ‏‏‏:‏‏‏ لُبنى بنت هاجر بن عبد مناف بن ضاطر بن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو الخزاعي
‏‏‏.‏‏‏

أم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمهاتها :


قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏ فولد عبدالله بن عبدالمطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم ، محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب ، صلوات الله وسلامة ورحمته وبركاته عليه وعلى آله ‏‏‏.‏‏‏

وأمه ‏‏‏:‏‏‏ آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر ‏‏‏.‏‏‏

وأمها ‏‏‏:‏‏‏ برة بنت عبدالعزى بن عثمان بن عبدالدار بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر ‏‏‏.‏‏‏

وأم برة ‏‏‏:‏‏‏ أم حبيب بنت أسد بن عبدالعزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر ‏‏‏.‏‏‏

وأم أم حبيب ‏‏‏:‏‏‏ برة بنت عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر ‏‏‏.‏‏‏

قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏ فرسول الله صلى الله عليه وسلم أشرف ولد آدم حسبا ، وأفضلهم نسبا من قبل أبيه وأمه صلى الله عليه وسلم ‏‏‏.
‏‏‏

حديث مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم :


احتفار زمزم :


قال ‏‏‏:‏‏‏ حدثنا أبو محمد عبدالملك بن هشام قال ‏‏‏:‏‏‏ وكان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حدثنا به زياد بن عبدالله البكائي ، عن محمد بن إسحاق المطلبي ‏‏‏:‏‏‏ بينما عبدالمطلب بن هاشم نائم في الحجر ، إذ أتي فأمر بحفر زمزم ، وهي دفن بين صنمي قريش ‏‏‏:‏‏‏ إساف ونائلة ، عند منحر قريش ‏‏‏.‏‏‏ وكانت جرهم دفنتها حين ظعنوا من مكة ، وهي بئر إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام ، التي سقاه الله حين ظمىء وهو صغير ، فالتمست له أمه ماء فلم تجده ، فقامت إلى الصفا تدعو الله وتستغيثه لإسماعيل ، ثم أتت المروة ففعلت مثل ذلك
‏‏‏.‏‏‏

وبعث الله تعالى جبريل عليه السلام ، فهمز له بعقبه في الأرض ، فظهر الماء ، وسمعت أمه أصوات السباع فخافتها عليه ، فجاءت تشتد نحوه ، فوجدته يفحص بيده عن الماء من تحت خده ويشرب ، فجعلته حِسْيا
‏‏‏.‏‏‏‏‏

أمر جرهم ودفن زمزم :

ولاة البيت من ولد إسماعيل :

قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏ وكان من حديث جرهم ، ودفنها زمزم ، وخروجها من مكة ، ومن ولي أمر مكة بعدها إلى أن حفر عبدالمطلب زمزم ، ما حدثنا به زياد بن عبدالله البكائي عن محمد بن إسحاق المطلبي ، قال ‏‏‏:‏‏‏

لما توفي إسماعيل بن إبراهيم ولي البيت بعده ابنه نابت بن إسماعيل ما شاء الله أن يليه ، ثم ولي البيت بعده مُضاض بن عمرو الجرهمي ‏‏‏.‏‏‏

قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏ ويقال ‏‏‏:‏‏‏ مِضاض بن عمرو الجرهمي ‏‏‏.‏‏‏

بغي جرهم و قطوراء ، و ما كان بينهما

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ وبنو إسماعيل وبنو نابت مع جدهم مضاض بن عمرو وأخوالهم من جرهم ‏‏‏.‏‏‏ وجرهم وقطوراء يومئذ أهل مكة ، وهما ابنا عم ، وكانا ظعنا من اليمن ، فأقبلا سيارة ، وعلى جرهم مضاض بن عمرو ، وعلى قطوراء السميدع ، رجل منهم ‏‏‏.‏‏‏ وكانوا إذا خرجوا من اليمن لم يخرجوا إلا ولهم ملك يقيم أمرهم ‏‏‏.‏‏‏

فلما نزلا مكة رأيا بلدا ذا ماء وشجر ، فأعجبهما فنزلا به ‏‏‏.‏‏‏ فنزل مضاض بن عمرو بمن معه من جرهم بأعلى مكة بقعيقعان فما حاز ‏‏‏.‏‏‏ ونزل السميدع بقطوراء ، أسفل مكة بأجياد فما حاز ‏‏‏.‏‏‏ فكان مضاض يعشر من دخل مكة من أعلاها ، وكان السميدع يعشر من دخل مكة من أسفلها ، وكل في قومه لا يدخل واحد منهما على صاحبه ‏‏‏.‏‏‏ ثم إن جرهم وقطوراء ، بغى بعضهم على بعض ، وتنافسوا الملك بها ، ومع مضاض يومئذ بنو إسماعيل وبنو نابت ، وإليه ولاية البيت دون السميدع ، فصار بعضهم إلى بعض ، فخرج مضاض بن عمرو بن قعيقعان في كتيبته سائرا إلى السميدع ، ومع كتيبته عدتها من الرماح والدرق والسيوف والجعاب ، يُقعقع بذلك معه ، فيقال ‏‏‏:‏‏‏ ما سمي قُعَيْقعان بقعيقعان إلا لذلك ‏‏‏.
‏‏‏

وخرج السميدع من أجياد ومعه الخيل والرجال ، فيقال ‏‏‏:‏‏‏ ما سمي أجياد أجيادا إلا لخروج الجياد من الخيل مع السميدع منه ‏‏‏.‏‏‏ فالتقوا بفاضح ، واقتتلوا قتالا شديدا ، فقُتل السميدع ، وفضحت قطوراء ‏‏‏.‏‏‏ فيقال ‏‏‏:‏‏‏‏ ما سمي فاضح فاضحا إلا لذلك ‏‏‏.‏‏‏

ثم إن القوم تداعوا إلى الصلح ، فساورا حتى نزلوا المطابخ ‏‏‏:‏‏‏ شعبا بأعلى مكة ، واصطلحوا به ، وأسلموا الأمر إلى مضاض ‏‏‏.‏‏‏ فلما جمع إليه أمر مكة فصار ملكها له ، نحر للناس فأطعمهم ، فاطَّبخ الناس وأكلوا ، فيقال ‏‏‏:‏‏‏ ما سميت المطابخ المطابخ إلا لذلك ‏‏‏.‏‏‏ وبعض أهل العلم يزعم أنها إنما سميت المطابخ ، لما كان تُبَّع نحر بها وأطعم ، وكان منزله ‏‏‏.‏‏‏ فكان الذي كان بين مضاض والسميدع أول بغي كان بمكة فيما يزعمون ‏‏‏.‏‏‏

انتشار ولد إسماعيل و جرهم بمكة :

ثم نشر الله ولد إسماعيل بمكة ، وأخوالهم من جرهم ، ولاة البيت والحكام بمكة ، لا ينازعهم ولد إسماعيل في ذلك لخئولتهم وقرابتهم ، وإعظاما للحرمة أن يكون بها بغي أو قتال ‏‏‏.‏‏‏ فلما ضاقت مكة على ولد إسماعيل انتشروا في البلاد ، فلا يناوئون قوما إلا أظهرهم الله عليهم بدينهم فوطئوهم ‏‏‏.‏‏‏

استيلاء قوم كنانة و خزاعة على البيت و بغي جرهم ونفيهم عن مكة :

بنو بكر وغبشان يطردون جرهما :


ثم إن جرهما بغوا بمكة ، واستحلوا خلالا من الحرمة ، فظلموا من دخلها من غير أهلها ، وأكلوا مال الكعبة الذي يهدى لها ، وفرق أمرهم ‏‏‏.‏‏‏ فلما رأت بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة ، وغبشان من خزاعة ذلك ، أجمعوا لحربهم وإخراجهم من مكة ‏‏‏.‏‏‏ فآذنوهم بالحرب فاقتتلوا ، فغلبتهم بنو بكر وغبشان فنفوهم من مكة ‏‏‏.‏‏‏

وكانت مكة في الجاهلية لا تقر فيها ظلما ولا بغيا ، ولا يبغي فيها أحد إلا أخرجته ، فكانت تسمى الناسَّة ، ولا يريدها ملك يستحل حرمتها إلا هلك مكانه ، فقال ‏‏‏:‏‏‏ إنها ما سميت ببكة إلا أنها كانت تبكّ أعناق الجبابرة إذا أحدثوا فيها شيئا ‏‏‏.
‏‏‏

معنى بكة لغة :

قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏ أخبرني أبو عبيدة ‏‏‏:‏‏‏ أن بكة اسم لبطن مكة ، لأنهم يتباكون فيها ، أي يزدحمون ‏‏‏.‏‏‏ وأنشدني ‏‏‏:‏‏‏

إذا الشريب أخذته أكَّه * فخله حتى يبكّ بكَّه

أي فدعه حتى يبك إبله ، أي يخليها إلى الماء فتزدحم عليه ‏‏‏.‏‏‏ وهو موضع البيت والمسجد ‏‏‏.‏‏‏ وهذان البيتان لعامان بن كعب بن عمرو بن سعد بن زيد مناة بن تميم ‏‏‏.‏‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ فخرج عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي بغزالي الكعبة وبحجر الركن ، فدفنها في زمزم ، وانطلق هو ومن معه من جرهم إلى اليمن ، فحزنوا على ما فارقوا من أمر مكة وملكها حزنا شديدا ‏‏‏.‏‏‏ فقال عمرو بن الحارث بن عمرو بن مضاض في ذلك ، وليس بمضاض الأكبر
‏‏‏:‏‏‏

قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏ هذا ما يصح له منها ‏‏‏.‏‏‏ وحدثني بعض أهل العلم بالشعر ‏‏‏:‏‏‏ أن هذه الأبيات أول شعر قيل في العرب ، وأنها وجدت مكتوبة في حجر باليمن ، ولم يسم لي قائلها ‏‏‏.‏‏‏ ‏‏
[/color]
استبداد قوم من خزاعة بولاية البيت :

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ ثم إن غبشان من خزاعة وليت البيت دون بنى بكر بن عبد مناة ، وكان الذي يليه منهم عمرو بن الحارث الغبشاني ، وقريش إذ ذاك حلول وصرم ، وبيوتات متفرقون في قومهم من بني كنانة ، فوليت خزاعة البيت يتوارثون ذلك كابرا عن كابر ، حتى كان آخرهم حليل بن حَبَشِيّة بن سلول بن كعب بن عمرو الخزاعي ‏‏‏.‏‏‏

قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏ يقال حُبْشِية بن سلول ‏‏‏.‏‏‏

تزوج قصي بن كلاب حُبىَّ بنت حليل .

ذكر ما جرى من اختلاف قريش بعد قصي ، وحلف المطيبين

النزاع بين بني عبدالدار وبني أعمامهم :


قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ ثم إن قصي بن كلاب هلك ، فأقام أمره في قومه وفي غيرهم بنوه من بعده ، فاختطوا مكة رباعا - بعد الذي كان قطع لقومه بها - فكانوا يقطعونها في قومهم وفي غيرهم من حلفائهم ويبيعونها ؛ فأقامت على ذلك قريش معهم ليس بينهم اختلاف ولا تنازع ، ثم إن بني عبد مناف بن قصي عبد شمس وهاشما والمطلب ونوفلا أجمعوا على أن يأخذوا ما بأيدي بني عبدالدار بن قصي مما كان قصي جعل إلى عبدالدار ، من الحجابة واللواء والسقاية والرفادة ، ورأوا أنهم أولى بذلك منهم لشرفهم عليهم وفضلهم في قومهم ؛ فتفرقت عند ذلك قريش ، فكانت طائفة مع بني عبد مناف على رأيهم يرون أنهم حق به من بني عبدالدار لمكانهم في قومهم ، وكانت طائفة مع بني عبدالدار ، يرون أن لا ينزع منهم ما كان قصي جعل إليهم ‏‏‏.‏‏‏

من ناصروا بني عبدالدار ، و من ناصروا بني أعمامهم :

فكان صاحب أمر بني عبد مناف عبد شمس بن عبد مناف ، وذلك أنه كان أسن بني عبد مناف ، وكان صاحب أمر بني عبدالدار عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبدالدار ‏‏‏.‏‏‏

حلفاء بني عبدالدار وحلفاء بني أعمامهم :


فكان بنو أسد بن عبدالعزى بن قصي ، وبنو زهرة بن كلاب ، وبنو تيم بن مرة بن كعب ، وبنو الحارث بن فهر بن مالك بن النضر ، مع بني عبد مناف ‏‏‏.‏‏‏

وكان بنو مخزوم بن يقظة بن مرة ، وبنو سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب ، وبنو جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب ، وبنو عدي بن كعب ، مع بني عبدالدار ، وخرجت عامر بن لؤي ومحارب بن فهر ، فلم يكونوا مع واحد من الفريقين ‏‏‏.‏‏‏

فعقد كل قوم على أمرهم حلفا مؤكدا على أن لا يتخاذلوا ، ولا يسلم بعضهم بعضا ما بل بحر صوفة
‏‏‏.‏‏‏

من دخلوا في حلف المطيبين :


فأخرج بنو عبد مناف جفنة مملوءة طيبا ‏‏‏.‏‏‏ فيزعمون أن بعض نساء بني عبد مناف ، أخرجتها لهم ، فوضعوها لأحلافهم في المسجد عند الكعبة ، ثم غمس القوم أيديهم فيها ، فتعاقدوا وتعهدوا هم وحلفاؤهم ، ثم مسحوا الكعبة بأيديهم توكيدا على أنفسهم ، فسموا المطيبين ‏‏‏.‏‏‏

من دخلوا في حلف الأحلاف :

وتعاقد بنو عبدالدار وتعاهدوا هم وحلفاؤهم عند الكعبة حلفا مؤكدا ، على أن لا يتخاذلوا ولا يسلم بعضهم بعضا ، فسموا الأحلاف ‏‏‏.‏‏‏

تقسيم القبائل في هذه الحرب :

ثم سوند بين القبائل ، ولُزّ بعضها ببعض ؛ فعبيت بنو عبد مناف لبني سهم ، وعبِّيت بنو أسد لبني عبدالدار ، وعبيت زهرة لبني جمح ، وعبيت بنو تيم لبني مخزوم ، وعبيت بنو الحارث بن فهر لبني عدي بن كعب ‏‏‏.‏‏‏ ثم قالوا ‏‏‏:‏‏‏ لتُفن كل قبيلة من أُسند إليها ‏‏‏.‏‏‏

تصالح القبائل :

فبينا الناس على ذلك قد أجمعوا للحرب إذ تداعوا إلى الصلح ، على أن يعطوا بني عبد مناف السقاية والرفادة ، وأن تكون الحجابة واللواء والندوة لبني عبدالدار كما كانت ‏‏‏.‏‏‏ ففعلوا ورضي كل واحد من الفريقين بذلك ، وتحاجز الناس عن الحرب ، وثبت كل قوم مع من حالفوا ، فلم يزالوا على ذلك ، حتى جاء الله تعالى بالإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏‏:‏‏‏ ‏‏‏(‏‏‏ ما كان من حلف في الجاهلية فإن الإسلام لم يزده إلا شدة ‏‏‏)‏‏‏ ‏‏‏.
‏‏‏

حلف الفضول :

سبب تسميته كذلك :


قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏ وأما حلف الفضول فحدثني زياد بن عبدالله البكائي عن محمد بن إسحاق قال ‏‏‏:‏‏‏ تداعت قبائل من قريش إلى حلف ، فاجتمعوا له في دار عبدالله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي ، لشرفه وسنه ، فكان‏‏ حلفهم عنده ‏‏‏:‏‏‏ بنو هاشم ، وبنو المطلب ، وأسد بن عبدالعزى ، وزهرة بن كلاب ، وتيم بن مرة ‏‏‏.‏‏‏

فتعاقدوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه ، وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته ، فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول
‏‏‏.‏‏‏‏‏



حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حلف الفضول :


قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ فحدثني محمد بن زيد بن المهاجر بن قنفذ التيمي أنه سمع طلحة بن عبدالله بن عوف الزهري يقول ‏‏‏:‏‏‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏‏:‏‏‏ لقد شهدت في دار عبدالله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم ، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت ‏‏‏.‏‏‏

الحسين يهدد الوليد بالدعوة إلى إحياء الحلف

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ وحدثني يزيد بن عبدالله بن أسامة بن الهادي الليثي أن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي حدثه ‏‏‏:‏‏‏

أنه كان بين الحسين بن على بن أبي طالب رضي الله عنهما ، وبين الوليد بن عتبة بن أبي سفيان - والوليد يومئذ أمير على المدينة أمره عليها عمه معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه - منازعة في مال كان بينهما بذي المروة ‏‏‏.‏‏‏ فكان الوليد تحامل على الحسين رضي الله عنه في حقه لسلطانه ، فقال له الحسين ‏‏‏:‏‏‏ أحلف بالله لتنصفني من حقي أو لآخذن سيفي ، ثم لأقومن في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم لأدعون بحلف الفضول
‏‏‏.‏‏‏

قال ‏‏‏:‏‏‏ فقال عبدالله بن الزبير ، وهو عند الوليد حين قال الحسين رضي الله عنه ما قال ‏‏‏:‏‏‏ وأنا أحلف بالله لئن دعا به لآخذن سيفي ، ثم لأقومن معه حتى ينصف من حقه أو نموت جميعا ‏‏‏.‏‏‏

قال ‏‏‏:‏‏‏ فبلغت المسور بن مخرمة بن نوفل الزهري ، فقال مثل ذلك وبلغت عبدالرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي فقال مثل ذلك ‏‏‏.‏‏‏ فلما بلغ ذلك الوليد بن عتبة أنصف الحسين من حقه حتى رضي ‏‏‏.‏‏‏

سأل عبدالملك محمد بن جبير عن عبد شمس و بني نوفل و دخولهما في حلف الفضول ، فأخبره بخروج بني عبد شمس وبني نوفل من الحلف

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ وحدثني يزيد بن عبدالله بن أسامة بن الهادي الليثي عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي قال ‏‏‏:‏‏‏

قدم محمد بن جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف - وكان محمد بن جبير أعلم قريش - فدخل على عبدالملك بن مروان بن الحكم حين قتل ابن الزبير ، واجتمع الناس على عبدالملك ، فلما دخل عليه قال له ‏‏‏:‏‏‏ يا أبا سعيد ، ألم نكن نحن وأنتم ، يعني بني عبد شمس بن عبد مناف ، وبني نوفل بن عبد مناف في حلف الفضول ‏‏‏؟‏‏‏ قال ‏‏‏:‏‏‏ أنت أعلم ؛ قال عبدالملك ‏‏‏:‏‏‏ لتخبرني يا أبا سعيد بالحق من ذلك ؛ فقال ‏‏‏:‏‏‏ لا والله ، لقد خرجنا نحن وأنتم منه ‏‏‏!‏‏‏ قال ‏‏‏:‏‏‏ صدقت ‏‏‏.
‏‏‏

تم خبر حلف الفضول :

هاشم يتولى الرفادة والسقاية و ما كان يصنع إذا قدم الحاج :


قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ فولى الرفادة والسقاية هاشم بن عبد مناف ، وذلك أن عبد شمس كان رجلا سفارا قلما يقيم بمكة ، وكان مقلا ذا ولد ، وكان هاشم موسرا فكان - فيما يزعمون - إذا حضر الحاج قام في قريش فقال ‏‏‏:‏‏‏ ‏‏‏(‏‏‏ يا معشر قريش ، إنكم جيران الله وأهل بيته ، وإنه يأتيكم في هذا الموسم زوار الله وحجاج بيته ، وهم ضيف الله ، وأحق الضيف بالكرامة ضيفه ، فاجمعوا لهم ما تصنعون لهم به طعاما أيامهم هذه التي لا بد لهم من الإقامة بها ، فإنه والله لو كان مالي يسع لذلك ما كلفتكموه ‏‏‏)‏‏‏ ‏‏‏.‏‏‏ فيخرجون لذلك خرجا من أموالهم ، كل امرئ يقدر ما عنده ، فيصنع به للحجاج طعاما حتى يصدروا منها ‏‏‏.‏‏‏

أفضال هاشم على قومه :

وكان هاشم فيما يزعمون أول من سن الرحلتين لقريش ‏‏‏:‏‏‏ رحلتي الشتاء والصيف ‏‏‏.‏‏‏ وأول من أطعم الثريد للحجاج بمكة ، وإنما كان اسمه عمرا ؛ فما سمي هاشما إلا بهشمه الخبز بمكة لقومه ‏‏‏.‏‏‏

فقال شاعر من قريش أو من بعض العرب ‏‏‏:‏‏‏

عمرو الذي هشم الثريد لقومه * قوم بمكة مسنتين عجافِ

سُنت إليه الرحلتان كلاهما * سفر الشتاء ورحلة الإيلاف

قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏ أنشدني بعض أهل العلم بالشعر من أهل الحجاز ‏‏‏:‏‏‏

قوم بمكة مسنتين عجاف *‏‏

المطلب يلي الرفادة والسقاية :

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ ثم هلك هاشم بن عبد مناف بغزة من أرض الشام تاجرا ، فولي السقاية والرفادة من بعده المطلب بن عبد مناف ، وكان أصغر من عبد شمس وهاشم ، وكان ذا شرف في قومه وفضل ، وكانت قريش إنما تسميه الفيض لسماحته وفضله ‏‏‏.‏‏‏

زواج هاشم بن عبد مناف :

وكان هاشم بن عبد مناف قدم المدينة فتزوج سلمى بنت عمرو أحد بني عدي بن النجار ، وكانت قبله عند أحيحه بن الجلاح بن الحريش ‏‏‏.‏‏‏

قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏ ويقال ‏‏‏:‏‏‏ الحريس - ابن جَحْجبى بن كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ‏‏‏.‏‏‏

فولدت له عمرو بن أحيحة ، وكانت لا تنكح الرجال لشرفها في قومها حتى يشترطوا لها أن أمرها بيدها ، إذا كرهت رجلا فارقته ‏‏‏.‏‏‏

ميلاد عبدالمطلب و سبب تسميته باسمه :

فولدت لهاشم عبدالمطلب ، فسمته شيبة ‏‏‏.‏‏‏ فتركه هاشم عندها حتى كان وصيفا أو فوق ذلك ، ثم خرج إليه عمه المطلب ليقبضه فيلحقه ببلده وقومه ؛ فقالت له سلمى ‏‏‏:‏‏‏ لست بمرسلته معك ؛ فقال لها المطلب ‏‏‏:‏‏‏ إني غير منصرف حتى أخرج به معي ، إن ابن أخي قد بلغ ، وهو غريب في غير قومه ، ونحن أهل بيت شرف في قومنا ، نلي كثير من أمورهم ، وقومه وبلده وعشيرته خير له من الإقامة في غيرهم ، أو كما قال ‏‏‏.‏‏‏

وقال شيبة لعمه المطلب - فيما يزعمون - ‏‏‏:‏‏‏ لست بمفارقها إلا أن تأذن لي ، فأذنت له ، ودفعته إليه ؛ فاحتمله فدخل به مكة مردفه معه على بعيره ، فقالت قريش ‏‏‏:‏‏‏ عبدالمطلب ابتاعه ، فبها سمي شيبة عبدالمطلب ‏‏‏.‏‏‏ فقال المطلب ‏‏‏:‏‏‏ ويحكم ‏‏‏!‏‏‏ إنما هو ابن أخي هاشم ، قدمت به من المدينة ‏‏‏.‏‏‏

وفاة المطلب و مما قيل فيه من الشعر

ثم هلك المطلب بردمان من أرض اليمن ، فقال رجل من العرب يبكيه ‏‏‏:‏‏‏

قد ظمئ الحجيج بعد المطلبْ * بعد الجفان والشراب المنثغب

ليت قريشا بعده على نصب *

مطرود يبكي المطلب وبني عبد مناف

وقال مطرود بن كعب الخزاعي ، يبكي المطلب وبني عبد مناف جميعا حين أتاه نعى نوفل بن عبد مناف ، وكان نوفل آخرهم هُلكا ‏‏‏:‏‏‏

يا ليلة هيجت ليلاتي * إحدى ليالي القسيات

وما أقاسي من هموم وما * عالجت من رزء المنيات

إذا تذكرت أخي نوفلا * ذكَّرني بالأوليات

ذكرني بالأُزُر الحمر والْ أردية * الصفر القشيبات

أربعة كلهمُ سيد * أبناء سادات لسادات‏‏

ميْت بردمان وميت بسلمان * وميت عند غزات

وميت أسكن لحدا لدى الْ محجوب * شرقي البنيات

أخلصهم عبد مناف فهم * من لوم من لام بمنجاة

إن المغيرات وأبناءها * من خير أحياء وأموت


اسم عبد مناف وترتيب أولاده موتا :

وكان اسم عبد مناف المغيرة ، وكان أول بني عبد مناف هلكا هاشم ، بغزة من أرض الشام ، ثم عبد شمس بمكة ؛ ثم المطلب بردمان من أرض اليمن ثم نوفلا بسلمان من ناحية العراق ‏‏‏.‏‏‏
‏‏‏

عبدالمطلب يلي السقاة والرفادة :


قال ‏‏‏:‏‏‏ ثم ولي عبدالمطلب بن هاشم السقاية والرفادة بعد عمه المطلب ، فأقامها للناس ، وأقام لقومه ما كان آباؤه يقيمون قبله لقومهم من أمرهم ، وشرف في قومه شرفا لم يبلغه أحد من آبائه ، وأحبه قومه وعظم خطره فيهم ‏‏‏.‏‏‏

ذكر حفر زمزم وما جرى من الخلف فيها


سبب حفر زمزم :

ثم إن عبدالمطلب بينما هو نائم في الحجر إذ أتي فأمر بحفر زمزم
‏‏‏.‏‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ وكان أول ما ابتدىء به عبدالمطلب من حفرها ، كما حدثني يزيد بن أبي حبيب المصري عن مرثد بن عبدالله اليزني عن عبدالله بن زرير الغافقي ‏‏‏:‏‏‏ أنه سمع علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه يحدث حديث زمزم حين أمر عبدالمطلب بحفرها ، قال ‏‏‏:‏‏‏

قال عبدالمطلب ‏‏‏:‏‏‏ إني لنائم في الحجر إذ أتاني آت فقال ‏‏‏:‏‏‏ احفر طيبة ، قال ‏‏‏:‏‏‏قلت ‏‏‏:‏‏‏ وما طيبة ‏‏‏؟‏‏‏ قال ‏‏‏:‏‏‏ ثم ذهب عني ‏‏‏.‏‏‏ فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه ، فجاءني فقال ‏‏‏:‏‏‏ احفر برة ‏‏‏.‏‏‏ قال ‏‏‏:‏‏‏فقلت ‏‏‏:‏‏‏ وما برة ‏‏‏؟‏‏‏ قال ‏‏‏:‏‏‏ ثم ذهب عني ، فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه ، فجاءني فقال ‏‏‏:‏‏‏ احفر المضنونة ‏‏‏.‏‏‏ فقال ‏‏‏:‏‏‏ فقلت ‏‏‏:‏‏‏ وما المضنونة ‏‏‏؟‏‏‏ قال ‏‏‏:‏‏‏ ثم ذهب عني ‏‏‏.‏‏‏

فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه ، فجاءني فقال ‏‏‏:‏‏‏ احفر زمزم ‏‏‏.‏‏‏ قال ‏‏‏:‏‏‏ قلت ‏‏‏:‏‏‏ وما زمزم ‏‏‏؟‏‏‏ قال ‏‏‏:‏‏‏ لا تنزف أبدا ولا تذم ، تسقي الحجيج الأعظم ، وهي بين الفرث والدم ، عند نقرة الغراب الأعصم ، عند قرية النمل ‏‏‏.‏‏‏

قريش تنازع عبدالمطلب في زمزم :

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ فلما بين له شأنها ، ودل على موضعها ، وعرف أنه قد صدق ، غدا بمعوله ومعه ابنه الحارث بن عبدالمطلب ، ليس له يومئذ ولد غيره ، فحفر فيها ‏‏‏.‏‏‏ فلما بدا لعبدالمطلب الطي كبر ‏‏‏.‏‏‏

التحاكم في بئر زمزم :

فعرفت قريش أنه قد أدرك حاجته ، فقاموا إليه فقالوا ‏‏‏:‏‏‏ يا عبدالمطلب ، إنها بئر أبينا إسماعيل ، وإن لنا فيها حقا فأشركنا معك فيها ؛ قال ‏‏‏:‏‏‏ ما أنا بفاعل ، إن هذا الأمر قد خصصت به دونكم ، وأعطيته من بينكم ؛ فقالوا له ‏‏‏:‏‏‏ فأنصفنا فإنا غير تاركيك حتى ‏‏نخاصمك فيها ؛قال ‏‏‏:‏‏‏ فاجعلوا بيني وبينكم من شئتم أحاكمكم إليه ؛ قالوا ‏‏‏:‏‏‏ كاهنة بني سعد بن هذيم ؛ قال ‏‏‏:‏‏‏ نعم ؛ قال ‏‏‏:‏‏‏ وكانت بأشراف الشام ‏‏‏.‏‏‏

فركب عبدالمطلب ومعه نفر من بني أبيه من بني عبد مناف ، وركب من كل قبيلة من قريش نفر ‏‏‏.‏‏‏ قال ‏‏‏:‏‏‏ والأرض إذ ذاك مفاوز ‏‏‏.‏‏‏ قال ‏‏‏:‏‏‏ فخرجوا حتى إذا كانوا ببعض تلك المفاوز بين الحجاز والشام ، فني ماء عبدالمطلب وأصحابه ، فظمئوا حتى أيقنوا بالهلكة ، فاستسقوا من معهم من قبائل قريش ، فأبوا عليهم ، وقالوا ‏‏‏:‏‏‏ إنا بمفازة ، ونحن نخشى على أنفسنا مثل ما أصابكم ‏‏‏.‏‏‏

فلما رأى عبدالمطلب ما صنع القوم وما يتخوف على نفسه وأصحابه ، قال ‏‏‏:‏‏‏ ماذا ترون ‏‏‏؟‏‏‏ قالوا ‏‏‏:‏‏‏ ما رأينا إلا تبع لرأيك ، فمرنا بما شئت ؛ قال ‏‏‏:‏‏‏ فإني أرى أن يحفر كل رجل منكم حفرته لنفسه بما بكم الآن من القوة ، فكلما مات رجل دفعه أصحابه في حفرته ثم واروه ، حتى يكون آخركم رجلا واحدا ، فضيعة رجل واحد أيسر من ضيعة ركب جميعا ؛ قالوا ‏‏‏:‏‏‏ نعم ما أمرت به ‏‏‏.‏‏‏

فقام كل واحد منهم فحفر حفرته ، ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشا ؛ ثم إن عبدالمطلب قال لأصحابه ‏‏‏:‏‏‏ والله إن إلقاءنا بأيدينا هكذا للموت ، لا نضرب في الأرض ولا نبتغي لأنفسنا ، لعجز ، فعسى الله أن يرزقنا ماء ببعض البلاد ، ارتحلوا ، فارتحلوا ‏‏‏.‏‏‏ حتى إذا فرغوا ، ومن معهم من قبائل قريش ينظرون إليهم ما هم فاعلون ، تقدم عبدالمطلب إلى راحلته فركبها
‏‏‏.‏‏‏

فلما انبعثت به ، انفجرت من تحت خفها عين ماء عذب ، فكبر عبدالمطلب وكبر أصحابه ، ثم نزل فشرب وشرب أصحابه واستقوا حتى ملئوا أسقيتهم ، ثم دعا القبائل من قريش ، فقال ‏‏‏:‏‏‏ هلم إلى الماء ، فقد سقانا الله ، فاشربوا واستقوا ‏‏‏.‏‏‏ ثم قالوا ‏‏‏:‏‏‏ قد والله قضى لك علينا يا عبدالمطلب ، والله لا نخاصمك في زمزم أبدا ، إن الذي سقاك هذا الماء بهذه الفلاة لهو الذي سقاك زمزم ، فارجع إلى سقايتك راشدا ‏‏‏.‏‏‏ فرجع ورجعوا معه ، ولم يصلوا إلى الكاهنة ، وخلوا بينه وبينها ‏‏‏.‏‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ فهذا الذي بلغني من حديث على بن أبي طالب رضي الله عنه في زمزم ، وقد سمعت من يحدث عن عبدالمطلب أنه قيل له حين أمر بحفر زمزم ‏‏‏:‏‏‏

ثم ادع بالماء الروي غير الكدر * يسقي حجيج الله في كل مبرْ

ليس يخاف منه شيء ما عمر *

فخرج عبدالمطلب ، حين قيل له ذلك ، إلى قريش ، فقال ‏‏‏:‏‏‏ تعلموا أني قد أمرت أن أحفر لكم زمزم ؛ فقالوا ‏‏‏:‏‏‏ فهل بين بي لك أين هي ‏‏‏؟‏‏‏ قال ‏‏‏:‏‏‏ لا ؛ قالوا ‏‏‏:‏‏‏ فارجع إلى مضجعك الذي رأيت فيه ما رأيت ، فإن يك حقا من الله يبين لك ، وإن يكن من الشيطان فلن يعود إليك ‏‏‏.‏‏‏ فرجع عبدالمطلب إلى مضجعه فنام فيه ، فأتي فقيل له ‏‏‏:‏‏‏ احفر زمزم ، إنك إن حفرتها لم تندم ، وهي تراث من أبيك الأعظم ، لا تنزف أبدا ولا تذم ، تسقي الحجيج الأعظم ، مثل نعام حافل لم يقسم ، ينذر فيها ناذر لمنعم ، تكون ميراثا وعقدا محكم ، ليست كبعض ما قد تعلم ، وهي بين الفرث والدم ‏‏‏.‏‏‏

قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏ هذا الكلام والكلام الذي قبله ، من حديث علي - رضوان الله عليه - في حفر زمزم من قوله ‏‏‏:‏‏‏ ‏‏‏(‏‏‏ لا تنزف أبدا ولا تذم ‏‏‏)‏‏‏ إلى قوله ‏‏‏:‏‏‏ ‏‏‏(‏‏‏ عند قرية النمل ‏‏‏)‏‏‏ عندنا سجع وليس شعرا ‏‏‏.‏‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ فزعموا أنه حين قيل له ذلك ، قال ‏‏‏:‏‏‏ وأين هي ‏‏‏؟‏‏‏ قيل له ‏‏‏:‏‏‏ عند قرية النمل ، حيث ينقر الغراب غدا ‏‏‏.‏‏‏ والله أعلم أي ذلك كان ‏‏‏.‏‏‏

عبدالمطلب يحفر زمزم :

فغدا عبدالمطلب ومعه ابنه الحارث ، وليس له يومئذ ولد غيره ، فوجد قرية النمل ، ووجد الغراب ينقر عندها بين الوثنين ‏‏‏:‏‏‏ إساف ونائلة ، اللذين كانت قريش تنحر عندهما ذبائحها ‏‏‏.‏‏‏ فجاء بالمعول وقام ليحفر حيث أمر ، فقامت إليه قريش حين رأوا جده ، فقالوا ‏‏‏:‏‏‏ والله لا نتركك تحفر بين وثنينا هذين اللذين ننحر عندهما ؛ فقال عبدالمطلب لابنه الحارث ‏‏‏:‏‏‏ ذد عني حتى أحفر ، فوالله لأمضين لما أمرت به ‏‏‏.‏‏‏

فلما عرفوا أنه غير نازع ، خلوا بينه وبين الحفر ، وكفوا عنه ، فلم يحفر إلا يسيرا ، حتى بدا له الطي ، فكبر وعرفوا أنه قد صدق ‏‏‏.‏‏‏ فلما تمادى به الحفر وجد فيها غزالين من ذهب ، وهما الغزالان اللذان دفنت جرهم فيها حين خرجت من مكة ، ووجد فيها أسيافا قلعية وأدراعا ؛ فقالت له قريش ‏‏‏:‏‏‏ يا عبدالمطلب ، لنا معك في هذا شرك وحق ؛ قال ‏‏‏:‏‏‏ لا ، ولكن هلم إلى أمر نصف بيني وبينكم ‏‏‏:‏‏‏ نضرب عليها بالقداح ؛ قالوا ‏‏‏:‏‏‏ وكيف تصنع ‏‏‏؟‏‏‏ قال ‏‏‏:‏‏‏ أجعل للكعبة قدحين ، ولي قدحين ، ولكم قدحين ، فمن خرج له قدحاه على شيء كان له ، ومن تخلف قدحاه فلا شيء له ؛ قالوا ‏‏‏:‏‏‏ أنصفت ‏‏‏.‏‏‏

فجعل قدحين أصفرين للكعبة ، وقدحين أسودين لعبدالمطلب ، وقدحين أبيضين لقريش ؛ ثم أعطوا القداح صاحب القداح الذي يضرب بها عند هبل ‏‏‏(‏‏‏ وهبل ‏‏‏:‏‏‏ صنم في جوف الكعبة ، وهو أعظم أصنامهم ، وهو الذي يعني أبو سفيان بن حرب يوم أحد حين قال ‏‏‏:‏‏‏ أعل هبل ‏‏‏:‏‏‏ أي أظهر دينك ‏‏‏)‏‏‏ وقام عبدالمطلب يدعو الله عز وجل ، فضرب صاحب القداح القداح ، فخرج الأصفران على الغزالين للكعبة ، وخرج الأسودان على الأسياف ، والأدراع لعبدالمطلب ، وتخلف قدحا قريش ‏‏‏.‏‏‏

فضرب عبدالمطلب الأسياف بابا للكعبة ، وضرب في الباب الغزالين من ذهب ‏‏‏.‏‏‏ فكان أول ذهب حليته الكعبة ، فيما يزعمون ‏‏‏.‏‏‏ ثم إن عبدالمطلب أقام سقاية زمزم للحجاج
‏‏‏.

فضل زمزم على سائر المياه :


قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ فعفت زمزم على البئار التي كانت قبلها يسقي عليها الحاج ، وانصرف الناس إليها لمكانها من المسجد الحرام ، ولفضلها على ما سواها من المياه ، ولأنها بئر إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام ‏‏‏.‏‏‏

بنو عبد مناف يفتخرون بزمزم

وافتخرت بها بنو عبد مناف على قريش كلها ، وعلى سائر العرب ، فقال مسافر بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ، وهو يفخر على قريش بما ولوا عليهم من السقاية والرفادة ، وما أقاموا للناس من ذلك ، وبزمزم حين ظهرت لهم ، وإنما كان بنو عبد مناف أهل بيت واحد ، شرف بعضهم لبعض شرف ، وفضل بعضهم لبعض فضل ‏‏‏:
‏‏‏

ورثنا المجد من آبا ئنا * فنمى بنا صعدا

ألم نسق الحجيج وننحر * الدلافة الرفدا

ونُلقى عند تصريف الْ منايا * شُدَّدا رفدا

فإن نهلك فلم نملك * ومن ذا خالد أبدا

وزمزم في أرومتنا * ونفقأ عين من حسدا

قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏ وهذه الأبيات في قصيدة له ‏‏‏.‏‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ وقال حذيفة بن غانم أخو بني عدي بن كعب بن لؤي ‏‏‏:‏‏‏

وساقي الحجيج ثم للخبز هاشم * وعبد مناف ذلك السيد الفهري

طوى زمزما عند المقام فأصبحت * سقايته فخرا على كل ذي فخر


قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏ يعني عبدالمطلب بن هاشم ‏‏‏.‏‏‏ وهذان البيتان في قصيدة لحذيفة بن غانم سأذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى ‏‏‏.‏‏‏

ذكر نذر عبدالمطلب ذبح ولده :

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ وكان عبدالمطلب بن هاشم - فيما يزعمون والله أعلم - قد نذر حين لقي من قريش ما لقي عند حفر زمزم ، لئن ولد له عشرة نفر ، ثم بلغوا معه حتى يمنعوه ، لينحرن أحدهم لله عند الكعبة ‏‏‏.‏‏‏ فلما توافى بنوه عشرة ، وعرف أنهم سيمنعونه ، جمعهم ثم أخبرهم بنذره ، ودعاهم إلى الوفاء لله بذلك ، فأطاعوه وقالوا ‏‏‏:‏‏‏ كيف نصنع ‏‏‏؟‏‏‏ قال ‏‏‏:‏‏‏ ليأخذ كل رجل منكم قدحا ثم يكتب فيه اسمه ، ثم‏‏ ائتوني ‏‏‏.‏‏‏ ففعلوا ، ثم أتوه ، فدخل بهم على هبل في جوف الكعبة ، وكان هبل على بئر في جوف الكعبة ، وكانت تلك البئر هي التي يجمع فيها ما يهدي للكعبة ‏‏‏.‏‏‏

قداح هبل السبعة :


وكان عند هبل قداح سبعة ، كل قدح منها فيه كتاب ‏‏‏.‏‏‏ قدح فيه العقل إذا اختلفوا في العقل من يحمله منهم ، ضربوا بالقداح السبعة ، فإن خرج العقل فعلى من خرج حمله ؛ وقدح فيه ‏‏‏(‏‏‏ نعم ‏‏‏)‏‏‏ للأمر إذ أرادوه يضرب به في القداح ، فإن خرج قدح ‏‏‏(‏‏‏ نعم ‏‏‏)‏‏‏ عملوا به ؛ وقدح فيه ‏‏‏(‏‏‏ لا ‏‏‏)‏‏‏ إذا أرادوا أمرا ضربوا به في القداح ، فإن خرج ذلك القدح لم يفعلوا ذلك الأمر ؛ وقدح فيه ‏‏‏(‏‏‏ منكم ‏‏‏)‏‏‏ ؛ وقدح فيه ‏‏‏(‏‏‏ ملصق ‏‏‏)‏‏‏ ، وقدح فيه ‏‏‏(‏‏‏ من غيركم ‏‏‏)‏‏‏ ؛ وقدح فيه ‏‏‏(‏‏‏ المياه ‏‏‏)‏‏‏ إذا أرادوا أن يحفروا للماء ضربوا بالقداح ، وفيها ذلك القدح ، فحيثما خرج عملوا به ‏‏‏.‏‏‏

وكانوا إذا أرادوا أن يختنوا غلاما ، أو ينكحوا منكحا ، أو يدفنوا ميتا ، أو شكوا في نسب أحدهم ، ذهبوا به إلى هبل وبمائة درهم وجزور ، فأعطوها صاحب القداح الذي يضرب بها ، ثم قربوا صاحبهم الذي يريدون به ما يريدون ، ثم قالوا لصاحب القداح ‏‏‏:‏‏‏ اضرب ، يا إلهنا ، هذا فلان بن فلان قد أردنا به كذا و كذا ، فأخرج الحق فيه ‏‏‏.‏‏‏ ثم يقولون لصاحب القداح ‏‏‏:‏‏‏ اضرب ، فإن خرج عليه ‏‏‏(‏‏‏ منكم ‏‏‏)‏‏‏ كان منهم وسيطا ، وإن خرج عليه ‏‏‏(‏‏‏ من غيركم ‏‏‏)‏‏‏ كان حليفا ؛ وإن خرج عليه ‏‏‏(‏‏‏ ملصق ‏‏‏)‏‏‏ كان على منزلته فيهم ، لا نسب له ولا حلف ؛ وإن خرج فيه شيء ، مما سوى هذا مما يعملون به ‏‏‏(‏‏‏ نعم ‏‏‏)‏‏‏ عملوا به ؛ وإن خرج ‏‏‏(‏‏‏ لا ‏‏‏)‏‏‏ أخروه عامه ذلك حتى يأتوه به مرة أخرى ، ينتهون في أمورهم إلى ذلك مما خرجت به القداح ‏‏‏.‏‏‏

عبدالمطلب يحتكم إلى القداح :

فقال عبدالمطلب لصاحب القداح ‏‏‏:‏‏‏ اضرب على بَنيَّ هؤلاء بقداحهم هذه وأخبره بنذره الذي نذر ، ‏‏ فأعطاه كل رجل منهم قدحه الذي فيه اسمه ، وكان عبدالله بن عبدالمطلب أصغر بني أبيه ، كان هو والزبير وأبو طالب لفاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عبد بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر ‏‏‏.‏‏‏

قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏عائذ بن عمران بن مخزوم
‏‏‏.‏‏‏

خروج القداح على عبدالله :

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ وكان عبدالله - فيما يزعمون - أحب ولد عبدالمطلب إليه ، فكان عبدالمطلب يرى أن السهم إذا أخطأه فقد أشوى ‏‏‏.‏‏‏ وهو أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏‏.‏‏‏ فلما أخذ صاحب القداح القداح ليضرب بها ، قام عبدالمطلب عند هبل يدعو الله ، ثم ضرب صاحب القداح ، فخرج القدح على عبدالله
‏‏‏.‏‏‏

عبدالمطلب يحاول ذبح ابنه ، ومنع قريش له :


فأخذه عبدالمطلب بيده وأخذ الشفرة ، ثم أقبل به إلى إساف ونائلة ليذبحه ، فقامت إليه قريش من أنديتها ، فقالوا ‏‏‏:‏‏‏ ماذا تريد يا عبدالمطلب ‏‏‏؟‏‏‏ قال ‏‏‏:‏‏‏ أذبحه ؛ فقالت له قريش وبنوه ‏‏‏:‏‏‏ والله لا تذبحه أبدا حتى تعذر فيه ‏‏‏.‏‏‏ لئن فعلت هذا لا يزال الرجل يأتي بابنه حتى يذبحه ، فما بقاء الناس على هذا ‏‏‏!‏‏‏

وقال له المغيرة بن عبدالله بن عمرو بن مخزوم بن يقظة ، وكان عبدالله ابن أخت القوم ‏‏‏:‏‏‏ والله لا تذبحه أبدا حتى تعذر فيه ، فإن كان فداؤه بأموالنا فديناه ‏‏‏.‏‏‏

وقالت له قريش وبنوه ‏‏‏:‏‏‏ لا تفعل ، وانطلق به إلى الحجاز ، فإن به عرافة لها تابع ، فسلها ، ثم أنت على رأس أمرك ، إن أمرتك بذبحه ذبحته ، وإن أمرتك بأمر لك وله فيه فرج قبلته ‏‏‏.‏‏‏

ما أشارت به عرافة الحجاز على عبدالمطلب :

فانطلقوا حتى قدموا المدينة ، فوجدوها - فيما يزعمون - بخيبر ‏‏‏.‏‏‏ فركبوا حتى جاءوها ، فسألوها ، وقص عليها عبدالمطلب خبره وخبر ابنه ، وما أراد به ونذره فيه ؛ فقالت لهم ‏‏‏:‏‏‏ ارجعوا عني اليوم حتى يأتيني تابعي فأسأله ‏‏‏.‏‏‏ فرجعوا من عندها ، فلما خرجوا عنها ، قام عبدالمطلب يدعو الله ، ثم غدوا عليها ، فقالت لهم ‏‏‏:‏‏‏ قد جاءني الخبر ، كم الدية فيكم ‏‏‏؟‏‏‏ قالوا ‏‏‏:‏‏‏ عشر من الإبل ، وكانت كذلك ‏‏‏.‏‏‏ قالت ‏‏‏:‏‏‏ فارجعوا إلى بلادكم ، ثم قربوا صاحبكم ، وقربوا عشرا من الإبل ، ثم اضربوا عليها وعليه بالقداح ، فإن خرجت على صاحبكم فزيدوا من الإبل حتى يرضى ربكم ، وإن خرجت على الإبل فانحروها عنه ، فقد رضي ربكم ، ونجا صاحبكم
‏‏‏.‏‏‏

تنفيذ وصية العرافة ونجاة عبدالله من الذبح :


فخرجوا حتى قدموا مكة ، فلما أجمعوا على ذلك من الأمر ، قام عبدالمطلب يدعو الله ؛ ثم قربوا عبدالله وعشرا من الإبل ، وعبدالمطلب قائم عند هبل يدعو الله عز وجل ، ثم ضربوا فخرج القدح على عبدالله ؛ فزادوا عشرا من الإبل ، فبلغت الإبل عشرين ، وقام عبدالمطلب يدعو الله عز وجل ، ثم ضربوا فخرج القدح على عبدالله ؛ فزادوا عشرا من الإبل ، فبلغت الإبل ثلاثين ، وقام عبدالمطلب يدعو الله ، ثم ضربوا ، فخرج القدح على عبدالله ؛ فزادوا عشرا من الإبل ، فبلغت الإبل أربعين ، وقام عبدالمطلب يدعو الله ، ثم ضربوا ، فخرج القدح على عبدالله ؛ فزادوا عشرا من الإبل ، فبلغت الإبل خمسين ، وقام عبدالمطلب يدعو الله عز وجل ، ثم ضربوا ، فخرج القدح على عبدالله ؛ فزادوا عشرا من الإبل ، فبلغت الإبل ستين ، وقام عبدالمطلب يدعو الله ، ثم ضربوا ، فخرج القدح على عبدالله ؛ فزادوا عشرا من الإبل ، فبلغت الإبل سبعين ، وقام عبدالمطلب يدعو الله ، ثم ضربوا ، فخرج القدح على عبدالله ؛ فزادوا عشرا من الإبل ، فبلغت الإبل ثمانين ، وقام عبدالمطلب يدعو الله عز وجل ، ثم ضربوا ، فخرج القدح على عبدالله ؛ فزادوا عشرا من الإبل ، فبلغت الإبل تسعين ، وقام عبدالمطلب يدعوا الله ، ثم ضربوا ، فخرج القدح على عبدالله ؛ فزادوا عشرا من الإبل ، فبلغت الإبل مائة ، وقام عبدالمطلب يدعوا الله ، ثم ضربوا ، فخرج القدح على الإبل ؛ فقالت قريش ومن حضر ‏‏‏:‏‏‏ قد انتهى رضا ربك يا عبدالمطلب ‏‏‏.‏‏‏ فزعموا أن عبدالمطلب قال ‏‏‏:‏‏‏ لا والله حتى أضرب عليها ثلاث مرات ؛ فضربوا على عبدالله وعلى الإبل ، وقام عبدالمطلب يدعو الله ، فخرج القدح على الإبل ، ثم عادوا الثانية ، وعبدالمطلب قائم يدعو الله ، فضربوا ، فخرج القدح على الإبل ، ثم عادوا الثالثة ، وعبدالمطلب قائم يدعو الله ، فضربوا ، فخرج القدح على الإبل ، فنحرت ، ثم تركت لا يصد عنها إنسان ولا يمنع
‏‏‏.‏‏‏

قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏ ويقال ‏‏‏:‏‏‏ إنسان ولا سبع ‏‏‏.‏‏‏

قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏ وبين أضعاف هذا الحديث رجز لم يصح عندنا عن أحد من أهل العلم بالشعر
‏‏‏.‏‏‏

ذكر المرأة المتعرضة لنكاح عبدالله بن عبدالمطلب

عبدالله يرفضها


قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ ثم انصرف عبدالمطلب آخذا بيد عبدالله ، فمر به - فيما يزعمون - على امرأة من بني أسد بن عبدالعزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر ، وهي أخت ورقة بن نوفل بن أسد بن عبدالعزى ، وهي عند الكعبة ؛ فقالت له حين نظرت إلى وجهه ‏‏‏:‏‏‏ أين تذهب يا عبدالله ‏‏‏؟‏‏‏ قال ‏‏‏:‏‏‏ مع أبي ، قالت ‏‏‏:‏‏‏ لك مثل الإبل التي نحرت عنك ، وقع علي الآن ، قال ‏‏‏:‏‏‏ أنا مع أبي ، ولا أستطيع خلافه ، ولا فراقه ‏‏‏.‏‏‏

عبدالله يتزوج آمنة بنت وهب :


فخرج به عبدالمطلب حتى أتى به وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر ، وهو يومئذ سيد بني زهرة نسبا وشرفا ، فزوجه ابنته آمنة بنت وهب ، وهي يومئذ أفضل امرأة في قريش نسبا وموضعا ‏‏‏.‏‏‏

أمهات آمنة بنت وهب :

وهي لبرة بنت عبدالعزى بن عثمان بن عبدالدار بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر ‏‏‏.‏‏‏ وبرة ‏‏‏:‏‏‏ لأم حبيب بنت أسد بن عبدالعزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر ‏‏‏.‏‏‏ وأم حبيب ‏‏‏:‏‏‏ لبرة بنت عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر ‏‏‏.
‏‏‏

سبب زهد المرأة المعترضة لعبدالله فيه :

فزعموا أنه دخل عليها حين أملكها مكانه ، فوقع عليها ، فحملت برسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ثم خرج من عندها ، فأتى المرأة التي عرضت عليه ما عرضت ، فقال لها ‏‏‏:‏‏‏ ما لك لا تعرضين علي اليوم ما كنت عرضت علي بالأمس ‏‏‏؟‏‏‏ قالت له ‏‏‏:‏‏‏ فارقك النور الذي كان معك بالأمس ، فليس لي بك اليوم حاجة ‏‏‏.‏‏‏ وقد كانت تسمع من أخيها ورقة بن نوفل - وكان قد تنصر واتبع الكتب - ‏‏‏:‏‏‏ أنه سيكون في هذه الأمة نبي
‏‏‏.‏‏‏

قصة حمل آمنة برسول الله صلى الله عليه وسلم :

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ وحدثني أبي إسحاق بن يسار أنه حدث
‏‏‏:‏‏‏

أن عبدالله إنما دخل على امرأة كانت له مع آمنة بنت وهب ، وقد عمل في طين له ، وبه آثار من الطين ، فدعاها إلى نفسه ، فأبطأت عليه لما رات به أثر الطين ، فخرج من عندها فتوضأ وغسل ما كان به من ذلك الطين ، ثم خرج عامدا إلى آمنة ، فمر بها ، فدعته إلى نفسها ، فأبى عليها ، وعمد إلى آمنة ، فدخل عليها فأصابها ، فحملت بمحمد صلى الله عليه وسلم ‏‏‏.‏‏‏ ثم مر بامرأته تلك ، فقال لها ‏‏‏:‏‏‏ هل لك ‏‏‏؟‏‏‏ قالت ‏‏‏:‏‏‏ لا ، مررت بي وبين عي*** غرة بيضاء ، فدعوتك فأبيت علي ، ودخلت على آمنة فذهبت بها ‏‏‏.‏‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ فزعموا أن امرأته تلك كانت تحدث ‏‏‏:‏‏‏ أنه مر بها وبين عينيه غرة مثل غرة الفرس ؛ قالت ‏‏‏:‏‏‏ فدعوته رجاء أن تكون تلك بي ، فأبى علي ، ودخل على آمنة ، فأصابها ، فحملت برسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏‏.‏‏‏ فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أوسط قومه نسبا ، وأعظمهم شرفا من قبل أبيه وأمه ، صلى الله عليه وسلم
‏‏‏.

السيرة النبويه لابن هشام (المجلد الاول )


_______________________________


ذكر ما قيل لآمنة عند حملها برسول الله صلى الله عليه وسلم :

رؤيا آمنة :


ويزعمون - فيما يتحدث الناس والله أعلم - أن آمنة بنت وهب أم رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تحدث ‏‏‏:‏‏‏

أنها أُتيت ، حين حملت برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقيل لها ‏‏‏:‏‏‏ إنك قد حملت بسيد هذه الأمة ، فإذا وقع إلى الأرض فقولي ‏‏‏:‏‏‏ أعيذه بالواحد ، من شر كل حاسد ، ثم سميه محمدا ‏‏‏.‏‏‏ ورأت حين حملت به أنه خرج منها نور رأت به قصور بصرى ، من أرض الشام ‏‏‏.‏‏‏ ‏‏

وفاة عبدالله :

ثم لم يلبث عبدالله بن عبدالمطلب ، أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن هلك ، وأم رسول الله صلى الله عليه وسلم حامل به
‏‏‏.‏‏‏

ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم :

ابن إسحاق يحدد الميلاد :

قال ‏‏‏:‏‏‏ حدثنا أبو محمد عبدالملك ابن هشام قال ‏‏‏:‏‏‏ حدثنا زياد بن عبدالله البكائي محمد بن إسحاق قال ‏‏‏:‏‏‏ ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ، لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول ، عام الفيل ‏‏‏.‏‏‏

رواية قيس بن مخرمة عن مولده صلى الله عليه و سلم

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ حدثني المطلب بن عبدالله بن قيس بن مخرمة عن أبيه عن جده قيس بن مخرمة ، قال ‏‏‏:‏‏‏

ولدت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل ، فنحن لدتان
‏‏‏.‏‏‏

رواية حسان بن ثابت ، عن مولده صلى الله عليه وسلم :


قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ وحدثني صالح بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف ، عن يحيى بن عبدالله بن عبدالرحمن بن سعد بن زرارة الأنصاري ‏‏‏.‏‏‏ قال ‏‏‏:‏‏‏ حدثني من شئت من رجال قومي عن حسان بن ثابت ، قال ‏‏‏:‏‏‏ والله إني لغلام يفعة ، ابن سبع سنين أو ثمان ، أعقل كل ما سمعت ، إذ سمعت يهوديا يصرخ بأعلى صوته على أطمة بيثرب ‏‏‏:‏‏‏ يا معشر يهود ، حتى إذا اجتمعوا إليه ، قالوا له ‏‏‏:‏‏‏ ويلك ما لك ‏‏‏؟‏‏‏ قال ‏‏‏:‏‏‏ طلع الليلة نجم أحمد الذي ولد به ‏‏‏.‏‏‏

قال محمد بن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ فسألت سعيد بن عبدالرحمن بن حسان بن ثابت ، فقلت ‏‏‏:‏‏‏ ابن كم كان حسان بن ثابت مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏المدينة ‏‏‏؟‏‏‏ فقال ‏‏‏:‏‏‏ ابن ستين سنة ، وقدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو ابن ثلاث وخمسين سنة ، فسمع حسان ما سمع وهو ابن سبع سنين
‏‏‏.‏‏‏

إعلام أمه جده بولادته صلى الله عليه و سلم وما فعله به :


قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ فلما وضعته أمه صلى الله عليه وسلم ، أرسلت إلى جده عبدالمطلب ‏‏‏:‏‏‏ أنه قد ولد لك غلام ، فأته فانظر إليه ؛ فأتاه فنظر إليه ، وحدثته بما رأت حين حملت به ، وما قيل لها فيه ، وما أمرت به أن تسميه ‏‏‏.‏‏‏

فرح جده به صلى الله عليه و سلم ، و التماسه له المراضع :

فيزعمون أن عبدالمطلب أخذه ، فدخل به الكعبة ؛ فقام يدعو الله ، ويشكر له ما أعطاه ، ثم خرج به إلى أمه فدفعه إليها ‏‏‏.‏‏‏ والتمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم الرضعاء ‏‏‏.‏‏‏

قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏ المراضع ‏‏‏.‏‏‏ وفي كتاب الله تبارك وتعالى في قصه موسى عليه السلام ‏‏‏:‏‏‏ ‏‏‏(‏‏‏ وحرمنا عليه المراضع ‏‏‏)‏‏‏ ‏‏‏.
‏‏‏

مرضعته حليمة و نسب أبيها :

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ فاسترضع له امرأة من بني سعد بن بكر ، يقال لها ‏‏‏:‏‏‏ حليمة ابنة أبي ذؤيب ‏‏‏.‏‏‏

نسب مرضعته :

وأبو ذؤيب ‏‏‏:‏‏‏ عبدالله بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة بن فصية بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان
‏‏‏.‏‏‏

زوج حليمة ونسبه :

واسم أبيه الذي أرضعه صلى الله عليه وسلم ‏‏‏:‏‏‏ الحارث بن عبدالعزى بن رفاعة بن ملان بن ناصرة بن فصية بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن ‏‏‏.‏

قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏ ويقال ‏‏‏:‏‏‏ هلال بن ناصرة
‏‏‏.‏‏‏

أولاد حليمة :


قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ وإخوته من الرضاعة ‏‏‏:‏‏‏ عبدالله بن الحارث ، وأنيسة بنت الحارث ، وحذافة بنت الحارث ، وهي الشيماء ، غلب ذلك على اسمها فلا تعرف في قومها إلا به ‏‏‏.‏‏‏ وهم لحليمة بنت أبي ذؤيب ، عبدالله بن الحارث ، أم رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏‏.‏‏‏

ويذكرون أن الشيماء كانت تحضنه مع أمها إذا كان عندهم ‏‏‏.‏‏‏

حديث حليمة عما رأته من الخير بعد تسلمها له صلى الله عليه و سلم


قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ وحدثني جهم بن أبي جهم مولى الحارث بن حاطب الجمحي ، عن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب ، أو عمن حدثه عنه قال ‏‏‏:
‏‏‏

كانت حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية ، أم رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أرضعته ، تحدث ‏‏‏:‏‏‏ أنها خرجت من بلدها مع زوجها ، وابن لها صغير ترضعه في نسوة من بني سعد بن بكر ، تلتمس الرضعاء ، قالت ‏‏‏:‏‏‏ وذلك في سنة شهباء ، لم تبق لنا شيئا ‏‏‏.‏‏‏ قالت ‏‏‏:‏‏‏ فخرجت على أتان لي قمراء ، معنا شارف لنا ، والله ما تبض بقطرة ، وما ننام ليلنا أجمع من صبينا الذي معنا ، من بكائه من الجوع ، ما في ثديي ما يغنيه ، وما في شارفنا ما يغديه - قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏ ويقال ‏‏‏:‏‏‏ يغذيه - ولكنا كنا نرجو الغيث والفرج فخرجت على أتاني تلك ، فلقد أدمت بالركب حتى شق ذلك عليهم ضعفا وعجفا ، حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء ، فما منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه ، إذا قيل لها إنه يتيم ، وذلك أنا إنما كنا نرجو المعروف من أبي الصبي ، فكنا نقول ‏‏‏:‏‏‏ يتيم ‏‏‏!‏‏‏ وما ‏‏عسى أن تصنع أمه وجده ‏‏‏!‏‏‏ فكنا نكرهه لذلك ، فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعا غيري ، فلما أجمعنا الانطلاق ، قلت لصاحبي ‏‏‏:‏‏‏ والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي ولم أخذ رضيعا ، والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلأخذنه ؛ قال ‏‏‏:‏‏‏ لا عليك أن تفعلي ، عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة ‏‏‏.‏‏‏ قالت ‏‏‏:‏‏‏ فذهبت إليه فأخذته ، وما حملني علي أخذه إلا أني لم أجد غيره
‏‏‏.‏‏‏

الخير الذي أصاب حليمة :

قالت ‏‏‏:‏‏‏ فلما أخذته ، رجعت به إلى رحلي ، فلما وضعته في حجري أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن ، فشرب حتى روي ، وشرب معه أخوه حتى روي ، ثم ناما ، وما كنا ننام معه قبل ذلك ، وقام زوجي إلى شارفنا تلك ، فإذا إنها لحافل ، فحلب منها ما شرب ، وشربت معه حتى انتهينا ريا وشبعا ، فبتنا بخير ليلة ‏‏‏.‏‏‏

قالت ‏‏‏:‏‏‏ يقول صاحبي حين أصبحنا ‏‏‏:‏‏‏ تعلمي والله يا حليمة ، لقد أخذت نسمة مباركة ؛ قالت ‏‏‏:‏‏‏ فقلت ‏‏‏:‏‏‏ والله إني لأرجو ذلك ، قالت ‏‏‏:‏‏‏ ثم خرجنا وركبت أنا أتاني ، وحملته عليها معي ، فوالله لقطعت بالركب ما يقدر عليها شيء من حمرهم ، حتى إن صواحبي ليقلن لي ‏‏‏:‏‏‏ يا ابنة أبي ذؤيب ، ويحك ‏‏‏!‏‏‏ اربعي علينا ، أليست هذه أتانك التي كنت خرجت عليها ‏‏‏؟‏‏‏ فأقول لهن ‏‏‏:‏‏‏ بلى والله ، إنها لهي هي ؛ فيقلن ‏‏‏:‏‏‏ والله إن لها لشأنا ‏‏‏.‏‏‏

قالت ‏‏‏:‏‏‏ ثم قدمنا منازلنا من بلاد بني سعد وما أعلم أرضا من أرض الله أجدب منها ، فكانت غنمي تروح علي حين قدمنا به معنا شباعا لُبَّنَا ، فنحلب ونشرب ، وما يحلب إنسان قطرة لبن ، ولا يجدها في ضرع ، حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم ‏‏‏:‏‏‏ ويلكم سرحوا حيث يسرح راعي بنت أبي ذؤيب ، فتروح أغنامهم جياعا ما تبض بقطرة لبن ، وتروح غنمي شباعا لبنا
‏‏‏.‏‏‏

فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلته ، وكان يشبّ شبابا لا يشبه الغلمان ، فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاما جفرا ‏‏‏.‏‏‏

رجوع حليمة به إلى مكة أول مرة :

قالت ‏‏‏:‏‏‏ فقدمنا به على أمه ونحن أحرص شيء على مكثه فينا ، لما كنا نرى من بركته ‏‏‏.‏‏‏ فكلمنا أمه وقلت لها ‏‏‏:‏‏‏ لو تركت بُنيَّ عندي حتى يغلظ ، فإني أخشى عليه وبأ مكة ، قالت ‏‏‏:‏‏‏ فلم نزل بها حتى ردته معنا
‏‏‏.‏‏‏

حديث الملكين اللذين شقا بطنه صلى الله عليه و سلم :


قال ‏‏‏:‏‏‏ فرجعنا به ، فوالله إنه بعد مقدمنا به بشهر مع أخيه لفي بهم لنا خلف بيوتنا ، إذ أتانا أخوه يشتد ، فقال لي ولأبيه ‏‏‏:‏‏‏ ذاك أخي القرشي قد أخذه رجلان عليهما ثياب بيض ، فأضجعاه ، فشقا بطنه ، فهما يسوطانه ‏‏‏.‏‏‏ قالت ‏‏‏:‏‏‏ فخرجت أنا وأبوه نحوه ، فوجدناه قائما مُنتَقَعا وجهه ‏‏‏.‏‏‏ قالت ‏‏‏:‏‏‏ فالتزمته والتزمه أبوه ، فقلنا له ‏‏‏:‏‏‏ ما لك يا بني ؛ قال ‏‏‏:‏‏‏ جاءني رجلان عليها ثياب بيض ، فأضجعاني وشقا بطني ، فالتمسا فيه شيئا لا أدري ما هو ‏‏‏.‏‏‏ قالت ‏‏‏:‏‏‏ فرجعنا به إلى خبائنا ‏‏‏.
‏‏‏

حليمة ترد محمدا صلى الله عليه وسلم إلى أمه :

قالت ‏‏‏:‏‏‏ وقال لي أبوه ‏‏‏:‏‏‏ يا حليمة ، لقد خشيت أن يكون هذا الغلام قد أصيب فألحقيه بأهله قبل أن يظهر ذلك به ، قالت ‏‏‏:‏‏‏ فاحتملناه ، فقدمنا به على أمه ، فقالت ‏‏‏:‏‏‏ ما أقدمك به يا ظئر وقد كنت حريصة عليه ، وعلى مكثه عندك ‏‏‏؟‏‏‏ قالت ‏‏‏:‏‏‏ فقلت ‏‏‏:‏‏‏ قد بلغ الله بابني وقضيت الذي علي ، وتخوفت الأحداث عليه ، فأديته إليك كما تحبين ؛ قالت ‏‏‏:‏‏‏ ما هذا شأنك ، فاصدقيني خبرك ‏‏‏.‏‏‏ قالت ‏‏‏:‏‏‏ فلم تدعني حتى أخبرتها ‏‏‏.‏‏‏ قالت ‏‏‏:‏‏‏ أفتخوفت عليه الشيطان ‏‏‏؟‏‏‏ قالت ‏‏‏:‏‏‏ قلت ‏‏‏:‏‏‏ نعم ؛ قالت ‏‏‏:‏‏‏ كلا ، والله ما للشيطان عليه من سبيل ، وإن لبنيَّ لشأنا ، أفلا أخبرك خبره ، قالت ‏‏‏:‏‏‏ قلت ‏‏‏:‏‏‏ بلى ؛ قالت ‏‏‏:‏‏‏ رأيت حين حملت به ، أنه خرج مني نور أضاء قصور بصرى من أرض الشام ، ثم حملت به ، فوالله ما رأيت من حمل قط كان أخف عليَّ ولا أيسر منه ، ووقع حين ولدته وإنه لواضع يديه بالأرض ، رافع رأسه إلى السماء ، دعيه عنك وانطلقي راشدة ‏‏‏.‏‏‏

الرسول يُسأل عن نفسه وإجابته صلى الله عليه وسلم

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ وحدثني ثور بن يزيد ، عن بعض أهل العلم ، ولا أحسبه إلا عن خالد بن معدان الكلاعي
‏‏‏:‏‏‏

أن نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا له ‏‏‏:‏‏‏ يا رسول الله ، أخبرنا عن نفسك ‏‏‏؟‏‏‏ قال ‏‏‏:‏‏‏ نعم ، أنا دعوة أبي إبراهيم ، وبشرى أخي عيسى ، ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاء لها قصور الشام ، واسترضعت في بني سعد بن بكر ، فبينا أنا مع أخ لي خلف بيوتنا نرعى بهما لنا ، إذ أتاني رجلان عليهما ثياب بيض بطست من ذهب مملوءة ثلجا ، ثم أخذاني فشقا بطني ، واستخرجا قلبي فشقاه ، فاستخرجا منه علقة سوداء فطرحاها ، ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج حتى أنقياه ، ثم قال أحدهما لصاحبه ‏‏‏:‏‏‏ زنه بعشرة من أمته ، فوزنني بهم فوزنتهم ، ثم قال ‏‏‏:‏‏‏ زنه بمائة من أمته ، فوزنني بهم فوزنتهم ، ثم قال ‏‏‏:‏‏‏ زنه بألف من أمته ، فوزنني بهم فوزنتهم ، فقال ‏‏‏:‏‏‏ دعه عنك ، فوالله لو وزنه بأمته لوزنها
‏‏‏.‏‏‏

رعيه صلى الله عليه وسلم الغنم وافتخاره بقرشيته :


قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏‏‏:‏‏‏ ‏‏‏(‏‏‏ ما من نبي إلا وقد رعى الغنم ؛ قيل ‏‏‏:‏‏‏ وأنت يا رسول الله ‏‏‏؟‏‏‏ قال ‏‏‏:‏‏‏ وأنا ‏‏‏)‏‏‏ ‏‏‏.‏‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه ‏‏‏:‏‏‏ أنا أعربكم ، أنا قرشي ، واسترضعت في بني سعد بن بكر
‏‏‏.‏‏‏

افتقاد حليمة له صلى الله عليه وسلم حين رجوعها به :


قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ وزعم الناس فيما يتحدثون ، والله أعلم ‏‏‏:‏‏‏ أن أمه السعدية لما قدمت به مكة أضلها في الناس وهي مقبلة به نحو أهله ، فالتمسته فلم تجده ، فأتت عبدالمطلب ، فقالت له ‏‏‏:‏‏‏ إني قد قدمت بمحمد هذه الليلة ‏‏‏.‏‏‏ فلما كنت بأعلى مكة أضلني ، فوالله ما أدرى أين هو ؛ فقام عبدالمطلب عند الكعبة يدعو الله أن يرده ؛ فيزعمون أنه وجده ورقة بن نوفل بن أسد ، ورجل آخر من قريش ، فأتيا به عبدالمطلب ، فقالا له ‏‏‏:‏‏‏ هذا ابنك وجدناه بأعلى مكة ، فأخذه عبدالمطلب ، فجعله على عنقه وهو يطوف بالكعبة يعوذه ويدعو له ، ثم أرسل به إلى أمه آمنة ‏‏‏.‏‏‏

سبب آخر لرجوع حليمة به صلى الله عليه وسلم إلى مكة :

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ وحدثني بعض أهل العلم ‏‏‏:‏‏‏

أن مما هاج أمه السعدية على رده إلى أمه ، مع ما ذكرت لأمه مما أخبرتها عنه ، أن نفرا من الحبشة نصارى ، رأوه معها حين رجعت به بعد فطامه ، فنظروا إليه وسألوها عنه وقلبوه ، ثم قالوا لها ‏‏‏:‏‏‏ لنأخذن هذا الغلام ، فلنذهبن به إلى ملكنا وبلدنا ، فإن هذا غلام كائن له شأن نحن نعرف أمره ، فزعم الذي حدثني أنها لم تكد تنفلت به منهم ‏‏‏.‏‏‏

وفاة آمنة ، وحال رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جده عبدالمطلب بعدها

وفاة أمه صلى الله عليه وسلم :

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمه آمنة بنت وهب ، وجده عبدالمطلب بن هاشم في كلاءة الله وحفظه ، ينبته الله نباتا حسنا لما يريد به من كرامته ؛ فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ست سنين ، توفيت أمة آمنه بنت وهب ‏‏‏.‏‏‏

عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وفاة أمه

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ حدثني عبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ‏‏‏:‏‏‏

أن أم رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنة توفيت ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن ست سنين بالأبواء ، بين مكة والمدينة ، وكانت قد قدمت به على أخواله من بني عدي بن النجار ، تزيره إياهم ، فماتت وهي راجعة به إلى مكة
‏‏‏.‏‏‏

سبب خؤولة بني عدي بن النجار لرسول الله صلى الله عليه و سلم :


قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏ أم عبدالمطلب بن هاشم ‏‏‏:‏‏‏ سلمى بنت عمرو النجارية ‏‏‏.‏‏‏ فهذه الخؤولة التي ذكرها ابن إسحاق لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم ‏‏‏.‏‏‏

إجلال عبدالمطلب له صلى الله عليه وسلم و هو صغير :

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جده عبدالمطلب بن هاشم ، وكان يوضع لعبدالمطلب فراش في ظل الكعبة ، فكان بنوه يجلسون حول فراشه ذلك حتى يخرج إليه ، لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالا له ؛ قال ‏‏‏:‏‏‏ فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي وهو غلام جفر ، حتى يجلس عليه ، فيأخذه أعمامه ليؤخروه عنه ، فيقول عبدالمطلب ، إذا رأى ذلك منهم ‏‏‏:‏‏‏ دعوا ابني ، فوالله إن له لشأنا ؛ ثم يجلسه معه على الفراش ، ويمسح ظهره بيده ، ويسره ما يراه يصنع ‏‏‏.‏‏‏

وفاة عبدالمطلب وما رثي به من الشعر

وفاة عبدالمطلب ، و ما قيل فيه من الشعر


فلما بلغ روس الله صلى الله عليه وسلم ثماني سنين هلك عبدالمطلب بن هاشم ‏‏‏.‏‏‏ وذلك بعد الفيل بثماني سنين ‏‏‏.‏‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ وحدثني العباس بن عبدالله بن معبد بن العباس ، عن بعض أهله ‏‏‏:‏‏‏

أن عبدالمطلب توفي ورسوله الله صلى الله عليه وسلم ابن ثماني سنين ‏‏‏.‏‏‏

عبدالمطلب يطلب من بناته أن يرثينه

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ حدثني محمد بن سعيد بن المسيب

أن عبدالمطلب لما حضرته الوفاة وعرف أنه ميت جمع بناته ، وكن ست نسوة ‏‏‏:‏‏‏ صفية ، وبرة ، وعاتكة ، وأم حكيم البيضاء ، وأميمة ، وأروى ، فقال لهن ‏‏‏:‏‏‏ ابكين علي حتى أسمع ما تقلن قبل أن أموت ‏‏‏.‏‏‏

قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏ ولم أر أحدا من أهل العلم بالشعر يعرف هذا الشعر ، إلا أنه لما رواه عن محمد بن سعيد بن المسيب كتبناه
‏‏‏.‏‏‏

رثاء صفية بنت عبدالمطلب لأبيها

فقالت صفية بنت عبدالمطلب تبكي أباها
‏‏‏:‏‏‏

أرقت لصوت نائحة بليل * على رجل بقارعة الصعيدِ

ففاضت عند ذلكم دموعي * على خدي كمنحدر الفريد

على رجل كريم غير وغل * له الفضل المبين على العبيد

على الفياض شيبة ذي المعالي * أبيك الخير وارث كل جود

صدوق في المواطن غير نكس * ولا شخت المقام ولا سنيد

طويل الباع أروع شيظميّ * مطاع في عشيرته حميد

رفيع البيت أبلج ذي فضول * وغيث الناس في الزمن الحرود

كريم الجد ليس بذي وصوم * يروق على المسود والمسود

عظيم الحلم من نفر كرام * خضارمة ملاوثة أسود

فلو خلد امرؤ لقديم مجد * ولكن لا سبيل إلى الخلود

لكان مخلدا أخرى الليالي لفضل المجد والحسب التليد

رثاء برة بنت عبدالمطلب لأبيها

وقالت برة بنت عبدالمطلب تبكي أباها
‏‏‏:‏‏‏

أعيني جودا بدمع دررْ على * طيب الخيم والمعتصرْ

على ماجد الجد واري الزناد * جميل المحيا عظيم الخطر

على شيبة الحمد ذي المكرمات * وذي المجد والعز والمفتخر

وذي الحلم والفصل في النائبات * كثير المكارم جم الفجر‏

له فضل مجد على قومه * منير يلوح كضوء القمر

أتته المنايا فلم تشوه * بصرف الليالي وريب القدر

رثاء عاتكة بنت عبدالمطلب لأبيها

وقالت عاتكة بنت عبدالمطلب تبكي أباها ‏‏‏:
‏‏‏

أعيني جودا ولا تبخلا * بدمعكما بعد نوم النيامْ

أعيني واسحنفرا واسكبا * وشوبا بكاءكما بالْتِدَام

أعيني واستخرطا واسجما * على رجل غير نكس كهام

على الجحفل الغمر في النائبات * كريم المساعي وفي الذمام

على شيبة الحمد واري الزناد * وذي مصدق بعد ثبت المقام

وسيف لدى الحرب صمصامة * ومردي المخاصم عند الخصام

وسهل الخليقة طلق اليدين * وفي عُدْمُلِّيّ صميم لهُام ‏‏

تَبَنَّك في باذخ بيته * رفيع الذؤابة صعب المرام

رثاء أم حكيم بنت عبدالمطلب لأبيها

وقالت أم حكيم البيضاء بنت عبدالمطلب تبكي أباها
‏‏‏:‏‏‏

ألا يا عين جودي واستهلي * وبكي ذا الندى والمكرمات

ألا يا عين ويحك أسعفيني * بدمع من دموع هاطلات

وبكِّي خير من ركب المطايا * أباك الخير تيار الفرات

طويل الباع شيبة ذا المعالي * كريم الخيم محمود الهبات

وصولا للقرابة هبرزيا * وغيثا في السنين الممحلات

وليثا حين تشتجر العوالي * تروق له عيون الناظرات

عقيل بني كنانة والمرجى * إذا ما الدهر أقبل بالهنات

ومفزعها إذا ما هاج هيج * بداهية وخصم المعضلات

فبكيه ولا تسمي بحزن * وبكي ، مابقيت ، الباكيات

رثاء أميمة بنت عبدالمطلب لأبيها

وقالت أميمة بنت عبدالمطلب تبكي أباها
‏‏‏:‏‏‏

ألا هلك الراعي العشيرة ذو الفقدِ * وساقي الحجيج والمحامي عن المجد

ومن يؤلف الضيف الغريب بيوته * إذا ما سماء الناس تبخل بالرعد

كسبت وليدا خير ما يكسب الفتى * فلم تنفكك تزداد ياشيبة الحمد

أبو الحارث الفياض خلاَّ مكانه * فلا تبعدن فكل حي إلى بعد

فإني لباك ما بقيت وموجع * وكان له أهلا لما كان من وجدي

سقاك ولي الناس في القبر ممطرا * فسوف أبكيه وإن كان في اللحد

فقد كان زينا للعشيرة كلها * وكان حميدا حيث ما كان من حمد

رثاء أروى بنت عبدالمطلب لأبيها

وقال أروى بنت عبدالمطلب تبكي أباها
‏‏‏:‏‏‏

بكت عيني وحق لها البكاء * على سمح سجيته الحياءُ

على سهل الخليقة أبطحي * كريم الخيم نيته العلاء

على الفياض شيبة ذي المعالي * أبيك الخير ليس له كفاء

طويل الباع أملس شيظمي * أغر كأن غرته ضياء

أقب الكشح أروع ذي فضول * له المجد المقدم والسناء

أبيِّ الضيم أبلج هبرزي * قديم المجد ليس له خفاء

ومعقل مالك وربيع فهر * وفاصلها إذا التمس القضاء

وكان هو الفتى كرما وجودا * وبأسا حين تنسكب الدماء

إذا هاب الكماة الموت حتى * كأن قلوب أكثرهم هواء

مضى قدما بذي ربد خشيب * عليه حين تبصره البهاء

إعجاب عبدالمطلب بالرثاء :

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ فزعم لي محمد بن سعيد بن المسيب أنه أشار برأسه وقد أصمت ‏‏‏:‏‏‏ أن هكذا فابكينني ‏‏‏.‏‏‏

نسب المسيب بن حزن

قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏ و المسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم ‏‏‏.‏‏‏

رثاء حذيفة بن غانم لعبدالمطلب :

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ وقال حذيفة بن غانم أخو بني عدي بن كعب بن لؤي يبكي عبدالمطلب بن هاشم بن بن عبد مناف ، ويذكر فضله وفضل قصي على قريش ، وفضل ولده من بعده عليهم ، وذلك أنه أخذ بغرم أربعة آلاف درهم بمكة ، فوقف بها فمر به أبو لهب عبدالعزى بن عبدالمطلب فافتكه ‏‏‏:‏‏‏

أعيني جودا بالدموع على الصدر * ولا تسأما أُسقيتما سبل القطر

وجودا بدمع واسفحا كل شارق * بكاء امرىء لم يشوه نائب الدهر

وسحا وجما واسجما ما بقيتما * على ذي حياء من قريش وذي ستر

على رجل جلد القوى ذي حفيظه * جميل المحيا غير نكس ولا هذر

على الماجد البهلول ذي الباع والندى* ربيع لؤي في القحوط وفي العسر

على خير حاف من معد وناعل * كريم المساعي طيب الخيم والنجر

وخيرهم أصلا وفرعا ومعدنا * وأحظاهم بالمكرمات وبالذكر

وأولاهم بالمجد والحلم والنهى * وبالفضل عند المجحفات من الغبر

على شيبة الحمد الذي كان وجهه * يضيء سواد الليل كالقمر البدر

وساقي الحجيج ثم للخبز هاشم * وعبد مناف ذلك السيد الفهري

طوى زمزما عند المقام فأصبحت * سقايته فخرا على كل ذي فخر

ليبك عليه كل عان بكربة * وآل قصي من مقل وذي وفر

بنوه سراة كهلهم وشبابهم * تفلق عنهم بيضة الطائر الصقر

قصي الذي عادى كنانة كلها * ورابط بيت الله في العسر واليسر

فإن تك غالته المنايا وصرفها * فقد عاش ميمون النقيبة والأمر

وأبقى رجالا سادة غير عزل * مصاليت أمثال الردينية السمر

أبو عتبة الملقى إليَّ حباؤه * أغر هجان اللون من نفر غر

وحمزة مثل البدر يهتز للندى * نقي الثياب والذمام من الغدر

وعبد مناف ماجد ذو حفيظة * وصول لذي القربي رحيم بذي الصهر

كهولهم خير الكهول ونسلهم * كنسل الملوك لا تبور ولا تحري

متى ما تلاقي منهم الدهر ناشئا * تجده بإجْرِيَّا أوائله يجري

هم ملئوا البطحاء مجدا وعزة * إذا استبق الخيرات في سالف العصر

وفيهم بناة للعلا وعمارة * وعبد مناف جدهم جابر الكسر

بإنكاح عوف بنته ليجيرنا * من أعدائنا إذ أسلمتنا بنو فهر

فسرنا تهامي البلاد ونجدها * بأمنه حتى خاضت العير في البحر

وهم حضروا والناس باد فريقهم * وليس بها إلا شيوخ بنو عمرو

بنوها ديارا جمة وطووا بها * بئارا تسح الماء من ثبج البحر

لكي يشرب الحجاج منها وغيرهم * إذا ابتدروها صبح تابعة النحر

ثلاثة أيام تظل ركابهم * مخيسة بين الأخاشب والحجر

وقدما غنينا قبل ذلك حقبة * ولا نستقي إلا بخُمَّ أو الحفر

وهم يغفرون الذنب ينقم دونه * ويعفون عن قول السفاهة والهجر‏‏

وهم جمعوا حلف الأحابيش كلها * وهم نكلوا عنا غواة بني بكر

فخارج ، إما أهلكنّ فلا تزل * لهم شاكرا حتى تغيب في القبر

ولا تنس ما أسدى ابن لُبنى فإنه * قد أسدى يدا محقوقة منك بالشكر

وأنت ابن لبنى من قصي إذا انتموا * بحيث انتهى قصد الفؤاد من الصدر

وأنت تناولت العلا فجمعتها * إلى محتد للمجد ذي ثبج جسر

سبقت وفت القوم بذلا ونائلا * وسدت وليدا كل ذي سؤدد غمر

وأمك سر من خزاعة جوهر * إذا حصل الأنساب يوما ذوو الخبر

إلى سبأ الأبطال تنمى وتنتمي * فأكرم بها منسوبة في ذرا الزهر

أبو شمر منهم وعمرو بن مالك * وذو جدن من قومها وأبو الجبر

وأسعد قاد الناس عشرين حجة * يؤيد في تلك المواطن بالنصر


ولاية العباس على سقاية زمزم :

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ فلما هلك عبدالمطلب بن هاشم ولي زمزم والسقاية عليها بعده العباس بن عبدالمطلب ، وهو يومئذ من أحدث إخوته سنا ؛ فلم تزل إليه حتى قام الإسلام وهي بيده ‏‏‏.‏‏‏ فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم له على ما مضى من ولايته ، فهي إلى آل العباس ، بولاية العباس إياها ، إلى هذا اليوم ‏‏‏.



السيرة النبويه لابن هشام (المجلد الاول )

منقووووووول






>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

جزاك الله خيرا


__________________________________________________ __________



__________________________________________________ __________


__________________________________________________ __________


__________________________________________________ __________