عنوان الموضوع : حتى لا يكون المجتمع الإسلامي إمـعـة * بقلم الشيخ سعود الشريم * - المرأة العربية
مقدم من طرف منتديات المرأة العربية

إن مما يعزز مكانة المرء المسلم وصدق انتمائه لدينه وثباته على

منهج النبوة ثقته بنفسه المستخلصة من ثقته بربه وبدينه؛ فالمسلم الواثق بنفسه إنما هو كالطود العظيم بين الزوابع والعواصف.. لا تعصف به ريح ولا يحطمه موج، وهذه هي حال المسلم الحق أمام الفتن والمتغيرات.. يرتقي من ثباتٍ إلى ثبات ويزداد تعلقه بربه وبدينه كلما ازدادت الفتن وادلهمت الخطوب، وهو إبان ذلك كله ثابت موقن لا يستهويه الشيطان ولا يلهث وراء كل ناعق.. حاديه في هذا الثبات سلوك طريق الهدى وإن قل سالكوه والنأي عن طريق الضلال وإن كثر الهالكون فيه..
وبمثل هذا المنهج يصبح المؤمن الغر ممن وعى حديث النبي صلى الله عليه وسلم يحذر أمته بقوله: “لا تكُونُوا إمَّعةً تقولُونَ: إنْ أحسنَ النَّاسُ أحسنَّا وإنْ ظلمُوا ظلمْنَا، ولكِنْ وطِّنُوا أنفسكم إن أحسنَ النَّاسُ أنْ تُحسِنُوا وإنْ أساءُوا فلا تظلِمُوا” رواه الترمذي وحسنه.
والإمعة هو الذي لا رأي له؛ فهو يتابع كل أحد على رأيه ولا يثبت على شيء.. ضعيف العزم كثير التردد قلبه محضن للدخل والرِّيَب، تجدونه يوما يمانيا إذا ما لاقى ذا يمن وإن يلاقي معدِّيا فعدناني..
وهذا هو الإمعة الممقوت، وهو الذي عناه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الآنف ذكره..
ولقد أشار ابن مسعود – رضي الله عنه – إلى مثل هذا الصنف في زمنه حينما ظهرت الفتن، فقال: “كنا في الجاهلية نعد الإمعة الذي يتبع الناس إلى طعام من غير أن يُدعَى، وإن الإمعة فيكم اليوم المُحقِمُ الناس دينه”؛ أي الذي يقلد دينه لكل أحد، وقال أيضاً: “ألا لا يقلدن أحدكم دينه رجلا إن آمن آمن وإن كفر كفر؛ فإنه لا أسوة في البشر”
إن من أعظم ما يقاوم المرء به وصف الإمعة أن ظٹظƒظˆظ† ذا ثقة بنفسه وذا عزيمة لا يشتتها تردد ولا استحياء.. فمن كان ذا رأي فليكن ذا عزيمة فإن فساد الأمر أن يتردد المرء.
وبالتتبع والاستقراء لنصوص الشريعة وأحوال السلف علم أنه لا تجتمع العزيمة والرأي السديد الموافقان لصفة الله وشرعته ثُمةَ يحصل الفساد..
وليس بخافٍ عنا موقف النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية في حين إن بعض الصحابة رأى أن ظاهر الصلح ليس في مصلحة المسلمين، ولكن ثقة النبي صلى الله عليه وسلم بربه وبوعده لم تورده موارد التردد ولم تؤثر على عزمه كثرة الآراء والتهويل..
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: أن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – عندما أراد المسير لقتال الخوارج عرض له منجم فقال له: يا أمير المؤمنين لا تسافر فإن القمر في العقرب؛ فإنك إن سافرت والقمر في العقرب هُزم أصحابك، فقال له علي – رضي الله عنه -: بل نسافر ثقة بالله وتوكلاً على الله وتكذيباً لك؛ فسافر فبورك له في ذلك السفر حتى قَتَل عامة الخوارج، وكان ذلك من أعظم ما سُرَّ به – رضي الله تعالى عنه -.
لسائل أن يسأل فيقول: هل أحوال المجتمعات المعاصرة تستدعي الحديث عن الإمعة: وهل هو من الكثرة بحيث يجب التحذير منه:
فالجواب: نعم؛ لا سيما في هذا العصر الذي كثر فيه موت العلماء واتخاذ الناس رؤوساً أقل منهم ثقة وعلماً، والذي فشا فيه الجهل وقل العلم ونطق الرويبضة، وأصبح فيه الصحفي فقهياً والإعلامي مشرعاً، وضعفت فيه المرجعية الدينية وهيمنتها على الفتوى الصحيحة السالمة من الشوائب والدخن، بل أصبح فيه الحديث والنطق من ديدن الرويبضة؛ وهو الرجل التافه يتكلم في أمور العامة التي لا يصلح لها إلا الكبار..
ولا جرم فإن أي مجتمع هذا واقعه لفي حاجة لمثل هذا الطرح، ومما يدل على صحة ما ذكرنا ما تحدث به ابن قتيبة – رحمه الله – يصف فيه أحوال الناس وكون نفوسهم قابلة للتحول والتأثر والتقليد الأعمى الذي يوصف صاحبه بالإمعة.. فيقول – رحمه الله -: “والناس أسراب طير يتبع بعضها بعضا، ولو ظهر لهم من يدعي النبوة مع معرفتهم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء أو من يدعي الربوبية لوجد على ذلك أتباعاً وأشياعاً” انتهى كلامه رحمه الله.
إن التقليد الأعمى ووصف الإمعة وجهان لعملة واحدة، وهما في الوقت نفسه لا يقتصران على السذج والرعاع من الناس فحسب، بل إن وصف الإمعة يتعدى إلى ما هو أبعد من ذلكم.. فكما أنه يكون في الفرد فإنه كذلك في ط§ظ„ظ…ط¬طھظ…ط¹ بفكره وعاداته وتقاليده؛ فقد يكون الفرد إمعة والمجتمع إمعة والناس إمَّعِين..
وقولوا مثل ذلكم في العامي والمتعلم والمنتسب إلى العلم؛ فإن مجرد انتساب المرء للعلم لا يعفيه من أنه قد يكون ضحية التقليد الأعمى ومعرة الوصف بالإمعة إذا ما كان كثير الالتفات واهن الثقة بالصواب، وعلى هذا يُحمَل ما يلاحظ بين الحين والآخر من اضطراب بعض المنتسبين للعلم في المنهج والفتوى وكثرة التنقل بين المذاهب والآراء بسبب المؤثر الخارجي وفق المزاحمة والضغوط والمحدثات التي تنهش من جسد التشريع ما يجعل المنتسب للعلم يسير حيث سار الناس؛ فيطوع لهم الفقه ولا يطوعهم هم للفقه..
يقول ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه – في مثل هذا: “اغدوا عالماً أو متعلماً، ولا تغدوا إمعة فيما بين ذلك” قال ابن القيم – رحمه الله – معلقاً: “انظر كيف أخرج المقلد من زمرة العلماء والمتعلمين، وهو كما قال – رضي الله عنه -: فإنه لا مع العلماء ولا مع المتعلمين للعلم والحجة كما هو معلوم ظاهر لمن تأمله”
ورحم الله الحافظ ابن حجر حيث يقول شاكياً ما يراه في زمانه من انتشار وصف الإمعة حتى في صفوف المنتسبين للعلم والفكر، فيقول: “وقد توسع من تأخر عن القرون المفضلة في غالب الأمور التي أنكرها أئمة التابعين وأتباعهم، ولم يقتنعوا بذلك حتى مزجوا مسائل الديانة بكلام اليونان وجعلوا كلام الفلاسفة أصلا يردون إليه ما خالفه من الآثار بالتأويل ولو كان مستكرها، ثم لم يكتفوا بذلك حتى زعموا أن الذي رتبوه هو أشرف العلوم وأولاها بالتحصيل، وأن من لم يستعمل ما اصطلحوا عليه فهو عامي جاهل؛ فالسعيد من تمسك بما كان عليه السلف واجتنب ما أحدثه الخلف” انتهى كلامه – رحمه الله -.
فلله.. ما أشبه الليلة بالبارحة! وما أقرب اليوم من الأمس! {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [المائدة: 105].
إن وصف الإمعة إذا دب في مجتمع ما قوض بناءه وأضعف شخصيته، وأبقاه ذليلاً منبوذاً بين سائر المجتمعات يُشرَب بسببه روح التبعية في المتبع فيعيش عالة على غيره في العادات والطبائع والفكر.
إن وقوع المجتمع المسلم في أتون التقليد الأعمى للأجنبي عنه لهو مكمن الهزيمة النفسية والألغام المخبوءة التي تقتل المروءة بتقليد أعمى وغرور بليد حتى يتلاشى عن المجتمع المسلم جملة من ركائز التميز التي خصه الله بها بشرعته وصبغته: {صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ } [البقرة: 138].
إن المجتمع المسلم إذا كان إمعةً يلهث وراء السراب المغاير له ليؤلف نفسه على خلق جديد ينتزعه من المدنية الأجنبية عنه وعن دينه وتقاليده.. فإن عليه أن يدرك جيداً أن الخلق الطارئ لا يرسخ بمقدار ما يفسد من الأخلاق الراسخة؛ فتتغير رجولة بعض الرجال وأنوثة بعض نسائه.. كل ذلك بسبب الاندفاع المحموم وراء المجهول في ساحة التقليد الأعمى مهما كان لهذا التقليد من دواعي زُينت ببريق وتزويق ولمعان يأخذ بلب النُّظار لأول وهلة.. فلا يلبث ويتلاشى سريعاً، وقديماً قيل: “فلا تقنع بأول ما تراه؛ فأول طالعٍ فجرٌ كذوب”
وإذا كان المجتمع في قرارة نفسه يوحي إلى أنه لا بد للأمة في نهضتها أن تتغير فإن رجوعنا إلى شرعة ربنا وشرعة المصطفى – صلى الله عليه وسلم – أعظم ما يصلح لنا من التغير وما نصلح به منه:… {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11].
وهل مَثَل هذا التغير إلا الأخلاق الإسلامية الحقة: وهل في الأرض نهضة ثابتة تقوم على غير هذا التغير: {أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ } [الأنعام: 114].
* إمام المسجد الحرام
بقلم فضيلة ط§ظ„ط´ظٹط® الدكتور: ط³ط¹ظˆط¯ بن إبراهيم الشريم*






>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

يســـــلمؤِ غلآتيِ


__________________________________________________ __________



__________________________________________________ __________


__________________________________________________ __________


__________________________________________________ __________